ترامب وحزب الحرب الأميركي
غالب قنديل
وضعت بعض التقارير تغييرات العام الثاني من ولاية ترامب التي تلاحقت مؤخرا في إطار الاستعداد لموجة من التصعيد السياسي والدبلوماسي في المواجهة مع الصين وروسيا وبالتحديد في المعركة ضد إيران ودورها الإقليمي وعلى الاتفاق النووي ولكن المغزى الفعلي لماجرى كان ظهور المحافظين الجدد مرة اخرى في مفاصل القرار داخل الإدارة الأميركية مع تعيين مايك بومبيو في الخارجية وجون بولتون مستشارا للأمن القومي.
جون بولتون يمثل احد أركان حزب الحرب الأميركي وكان من أبرز رموز فريق ديك تشيني خلال ولاية دبليو بوش وهو ذو خبرة في التعامل مع الجنرالات من خلال عمله بإمرة الجنرال كولن باول واشتهر بعلاقة وثيقة مع الكيان الصهيوني وجهاز الموساد ولعب ادوارا مهمة في التخطيط لغزو العراق 2003 ولحرب تموز 2006 ضد لبنان وعرف بتصريحاته وخطبه الحربية النارية بمقدار ما هو معروف عن نزعة بومبيو الحربية ضد سورية وإيران والتي ولدت توترات بينه وبين وزير الخارجية السابق ريكس تليرسون.
الأسئلة المتلاحقة التي رافقت التغييرات الأميركية تتعلق باحتمالات اتخاذ الولايات المتحدة قرارا بالإنسحاب من الاتفاق النووي مع إيران او تنفيذ التهديدات بحرب كبرى ضد إيران وسورية ولبنان بالشراكة مع إسرائيل وهو ما يسنده أصحاب هذا الرأي بالمناورات العسكرية المشتركة التي جرت مؤخرا وبحاجة الولايات المتحدة إلى حرب كبرى تستكمل استنزاف دول النفط العربية وعلى رأسها المملكة السعودية التي يعتقد بعض المحللين ان قيادتها الحالية مستعدة وبحماس لدفع أي ثمن تطلبه واشنطن وتل أبيب لضرب إيران ورد الاعتبار لحلفها المهزوم في سورية.
إن حتمال المغامرة في واشنطن وتل أبيب والهرب من المآزق والأزمات الداخلية والحروب الفاشلة إلى مغامرة عسكرية ضخمة بمثل الاحتمالات التي يروجها البعض هو من حيث المبدأ احتمال وارد ولكنه ليس مرجحا بفعل حسابات الكلفة التي تفرض نفسها كنتيجة لتوازن القوى الدولي والإقليمي وصعوبة تأمين التغطية الدولية اللازمة لحرب كبرى بالحجم المحكي عنه.
في حساب الكلفة يجب ان توضع بالاعتبار قدرات الدفاع الإيرانية الهائلة ومداها الجغرافي الواسع وهي ستشعل جميع مواقع نفوذ ومصالح الولايات المتحدة وبصورة خاصة الكيان الصهيوني الذي سيكون هدفا مباحا لهطل صاروخي غير مسبوق في تاريخ الحروب من جبهات لبنان وسورية وعبر سماء العراق من إيران مباشرة وكذلك لا بد وان يجري احتساب الرد الروسي على مثل تلك الحرب بالنظر إلى كون إيران حليفا وسورية الشريك الاستراتيجي مستهدفة مباشرة وقد شهدنا ملامح الردع الاستراتيجي الروسي للولايات المتحدة مؤخرا وحول سورية بالذات.
يراهن دونالد ترامب على التخفف من قيود البنتاغون التي كبلته منذ تسلم صلاحياته الرئاسية عبر تصعيد حزب الحرب والاتيان بممثله الأشد تطرفا وانحيازا إلى تل أبيب وهو على الأرجح قد يكون متجها في أيار المقبل إلى تنفيذ تهديده بإعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي بات وثيقة قانونية اممية لا تنفك حكومات دول الغرب الأوروبي وروسيا والصين تعلن التمسك بها بمن في ذلك حلفاء واشنطن في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا الذين تزدحم على طاولاتهم ملفات شركاتهم الطامحة إلى حصص في الأسواق الإيرانية وسيكون القرار الأميركي ضربة على رؤوسهم كما جرى خلال العقدين الماضيين بحرمانهم من ثمار التعامل التجاري مع إيران لحساب الولايات المتحدة وإسرائيل وجميع المؤشرات التي حملتها تجربة العقوبات على روسيا توحي بانصياع اوروبي أعمى للتعليمات الأميركية.
الانسحاب من الاتفاق النووي قديفتح للولايات المتحدة أبواب بيع مفاعلات وتقنيات نووية لحكومات الخليج وتسعير مشتريات السلاح في المنطقة مجددا ولكنه سيفتح أبواب تحرير البرنامج النووي الإيراني من القيود التي قبلتها إيران مقابل رزمة حوافز اقتصادية وسياسية اولها الاعتراف بحقوقها في امتلاك التقنيات النووية السلمية وهي ما تزال تصطدم باستمرار العقوبات الاقتصادية والمالية التي تسعى الولايات المتحدة لتصعيدها بذريعة برنامج صناعة الصاريخ الباليستية الإيراني منذ عهد باراك اوباما.
واشنطن تبيع الحروب وادواتها وتحصد المليارات وهي غير آبهة بكلفة الدول والمجتمعات المستهدفة لكنها محكومة بتوازنات ومعادلات رادعة يضطر جنرالاتها لتحاشي الاصطدام بها وحمل التبعات والتكاليف وتحت هذا الخط الحمر كل الاحتمالات واردة.