احتفالات ضرب المفاعل حرف للأنظار: جدعون ليفي
هذا ما تعرف دولة إسرائيل القيام به بصورة جيدة جدا: القصف. أكثر من أي شيء آخر تستطيع التجسس، نسخ ما يحتويه حاسوب في شقة في فيينا، إرسال الطائرات وإعادتها بسلام بعد تنفيذ مهمتها الخيالية تقريبا. لا يمكننا عدم التأثر من الشجاعة والمهنية للمخابرات وسلاح الجو والموساد وإيهود أولمرت. عملية خارج الصندوق انتهت بأفضل صورة بالنسبة لإسرائيل، بدون مقابل تقريبا. نجاح كبير في اختبار النتائج رغم كل الاسئلة المقلقة حول العيش على السيف، فقط على السيف، دائما وقبل كل شيء، على التفجير، أسئلة حول حق إسرائيل المسلحة جداً في أن تملي بالقوة على جاراتها بماذا عليهم أن يتسلحوا، وإلى متى تستطيع السيطرة على المنطقة فقط بفضل قوتها العسكرية .
ولكن الشجاعة والمهنية التي ظهرت في سوريا لا يمكنها عدم إثارة التساؤل: هل الحديث يدور عن نفس الدولة؟ عن نفس الجيش؟ عن نفس الاستخبارات وبالأساس عن نفس السياسيين والجنرالات؟ هل توجد في إسرائيل دولتان: الدولة التي تتجسس وتقصف وتظهر شجاعة وتبصراً، والدولة التي تتصرف بغباء وتخشى من نفسها ومن ظلها ومن فتاة إبنة 16 سنة؟ كيف أن سياسيين وجنرالات شجعاناً، يقودون مغامرات خطيرة مثل القصف في سوريا، يظهرون أغبياء وجبناء في ساحات أخرى لا تقل مصيرية عن تلك. أين اختفت الشجاعة والتبصر التي كانت في عملية خارج الصندوق، ولماذا فقط عندما يتعلق الامر بالقصف يفكرون بطريقة خارج الصندوق.
من أجل قصف المفاعل في سوريا الأمر يحتاج إلى شجاعة كبيرة. ومن أجل تنفيذ المهمة الأمر يحتاج إلى قدرة لامعة. ومن أجل الحفاظ على سرية القصف، يجب أن تقف من خلفها قدرة كبيرة من الحكمة والتواضع. كل هذه الصفات تختفي وكأنها لم تكن عندما يتعلق الأمر بمواضيع أخرى مثل الاحتلال. ليس هناك أي قدر من الشجاعة أو الحكمة أو التواضع أو المهنية. إسرائيل لا تخاف من قصف مفاعل بعيد جدا تحت جنح الظلام، لكنها تخاف من فتاة إبنة 16 سنة في سجنها. هي تعرف ما الذي يجب أن تفعله مع المفاعل، لكنها لا تعرف ما الذي تفعله مع الاحتلال، الذي يهدد مستقبلها أكثر من المفاعل النووي.
بشجاعة أقل من الشجاعة التي ظهرت في دير الزور، كانت إسرائيل تستطيع أن تكون الآن في مكان آخر افضل. المفاعل أخاف إسرائيل وهدّد وجودها في نظر نفسها؟ قطاع غزة يهدد مستقبلها ليس أقل من ذلك، ومثله أيضاً كل الاحتلال. وما الذي تفعله إسرائيل؟ لا شيء. لا توجد خطط، لا يوجد حلم، لا توجد شجاعة ولا يوجد مستقبل. فقط من الشيء نفسه: حصار، عقاب جماعي، استيطان، شباك تحت الملابس الداخلية لكل الرعايا، تنكيل وشر من أجل الشر. لا يوجد ضابط أو سياسي يحاول تحطيم قواعد اللعب والتفكير خارج الصندوق. في الضفة نفدت الشجاعة، في قطاع غزة نفدت الحكمة، ليس علينا أن نفعل أي شيء، وكل شيء سيكون على ما يرام. إلى أين؟ ماذا سيحدث بعد عشرين سنة؟ من الذي يعرف ومن يهمه ذلك. بالضبط عكس السلوك ازاء المفاعل. يعطلون قنبلة موقوتة واحدة ويتجاهلون الأخرى، القريبة والمؤقتة والأكثر خطورة.
احتفالات النجاح بالمفاعل السوري ربما تكون في محلها، لكن ايضا هي حرف للانظار عن السلوك الآخر لهؤلاء الاشخاص، الشاذ من بين هذا المجموع هو أولمرت الذي حاول إظهار الشجاعة أيضاً في الساحة الأخرى. ولكن لإسرائيل من الأسهل إرسال ثماني طائرات مقاتلة إلى ما وراء الحدود من إطلاق سراح فتاة بريئة من السجن. من الأسهل المخاطرة بحرب مع سوريا من فتح قطاع غزة أمام العالم وإرجاع كرامته وحريته له. من الأسهل المخاطرة بإطلاق الصواريخ على الدولة من تجميد البناء في المستوطنات، أيضاً للذين يعرفون أن هذه المستوطنات هي أصل الكارثة.
كلمة السر لنجاح العملية في سوريا ستكون أريزونا التي ستسمع بعد اكتشافات مشابهة للحكمة والشجاعة أمام استمرار الاحتلال. حتى الآن لم يولد بعد رئيس حكومة أو وزير دفاع أو رئيس موساد أو رئيس أركان أو قائد لسلاح الجو يتحلون بالشجاعة والحكمة الضرورية لذلك. أريزونا الحقيقية كانت وما زالت مجرد حلم.
هآرتس