بقلم ناصر قنديل

توقيت نصرالله للحرب على الفساد: ناصر قنديل

تضمّنت إطلالة السيد حسن نصرالله ببرنامج حزب الله الانتخابي، الكثير من العناوين المتصلة بالتزام الحزب دخول مرحلة جديدة في التعامل مع الوضع الداخلي، بعدما تدرّج حزب الله في مسيرته تجاه الداخل من الاكتفاء بتمثيل نيابي يتيح الدفاع عن المقاومة، وتقديم بعض الخدمات الفردية للناخبين، وملاحقة محدودة لبعض المشاريع الإنمائية في مناطق وجود الحزب وجمهوره، والتصدّي لحالات نافرة في التشريع الضريبي أو الاقتصادي المجحف بحق الطبقات الشعبية. وهذا كان حال الحزب حتى العام 2005، ليتقدّم إلى المشاركة في الحكومة ويوسّع نطاق تعامله مع القضايا الداخلية، من موقع مشاركته في مناقشات وقرارات مجلس الوزراء، وتعاونه مع الحلفاء لتشكيل جبهات نيابية لإنتاج تشريعات واعتراض على أخرى، فكان قانون الانتخابات القائم على النسبية أهمّ الإنجازات التي توّجت هذه المرحلة، إضافة لدور حاسم ومحوري في إيصال العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ودور فاعل في تشكيل الحكومة .

سجل حلفاء وأصدقاء لحزب الله مراراً مآخذهم عليه، واتهمه بعضهم بالتخاذل عن القيام بمسؤولياته كممثل لشريحة واسعة من اللبنانيين، في السعي لبناء دولة الرعاية والحماية التي لا ينفك حزب الله عن القول بها. ووصل بعض هؤلاء إلى اتهام الحزب بالتخاذل الطوعي عبر المساومة مع سائر مكوّنات النظام السياسي، وفقاً لمعادلة مقايضة حماية المقاومة مقابل التغاضي عن الفساد، والوقوف موقف المتفرّج على المحاصصة وتقاسم المناصب والمكاسب، بينما اتهمه حلفاء آخرون في قلب منازعاتهم مع حلفاء مقابلين يتهمونهم بالفساد بالتغطية على فسادهم حرصاً على معادلته الطائفية، لتصير صورته أنه حزب أولويته وحدة الطائفة المتهمة بالفساد، أو جبهة داخلية هادئة لا تستهدف المقاومة، ولو كان ثمن الإثنتين أن يغرق البلد بالفساد، وأن ينهار الاقتصاد، وأن يضرب الفقر والجوع والحرمان بالجمهور الذي منح الحزب دماء وشهداء وتضحيات بلا حساب، وأن يتشرّد الشباب اللبناني بين جحيم الهجرة وقهر البطالة.

لا حاجة أن يردّ السيد نصرالله على هذه الفرضيات، ولا أن يقول إنه غير معني باتهامات الغير في توزيع مسؤوليات الفساد، أو أنه غير مسؤول عن مناقشة فرضيات مقايضته الموقف من المقاومة بالموقف من بناء الدولة ومحوره مكافحة الفساد وإصلاح المؤسسات، فمجرد الإعلان عن عزم حزب الله على رفع الحرب على الفساد إلى مرتبة الأولوية، عشية الانطلاق نحو الحملات الانتخابية، لتحالف يجمع الحزب حصراً مع حركة أمل في كلّ الدوائر، ما يعني بما لا يقبل الجدل أنه لا ينظر لتناقض بين وحدة الموقف مع شريكه في الطائفة وبين حربه على الفساد، ونفياً قطعياً لنظريات مقايضة أجراها الحزب في ما مضى لحفظ وحدة بيئته الطائفية مقابل التخلي عن محاربة الفساد، وضمناً نفي للاتهامات التي يسوّقها بعض حلفاء بوجه حليفه الشيعي الأوّل حركة أمل، وإلا كيف يستقيم تحالف انتخابي مصيري يجمع الحزب الملتزم بأولوية مكافحة الفساد مع شريك أولويته محاباة الفساد، ويكفي أن يعلن الحزب أولوية الحرب على الفساد وهو يرحّب بمناقشة الاستراتيجية الدفاعية كي يقول ضمناً، إنه لم يقم يوماً مقايضة بين تحييد البعض عن استهداف المقاومة، وصمته على ارتكاباتهم وتورّطهم في ملفات الفساد.

لمن لا غاية مسبقة لديه ولمن يسعى لفهم موضوعي لمغزى التوقيت في إعلان السيد نصرالله، لا بدّ من الربط بين التوقيت وما حملته المرحلة التي قطعها الحزب داخلياً بالتأسيس على منجزاته الإقليمية، فباتت الحرب على الفساد ومعركة الإصلاح الاقتصادي الاجتماعي ممكنة، وقد تخطى الحزب مخاطرة فتحها مع فرضية الفشل من جهة، وإلحاق الأذى بمشروع المقاومة دون طائل من جهة أخرى. فمنسوب القوة الخارجي والداخلي، كان سقفه في الماضي توفير معادلة تتيح حماية المقاومة، وتشكل معارك الداخل استناداً إليها تفريطاً بالمقاومة دون فرص الفوز بالداخل، والمقاومة القوية تستطيع العودة لمعارك الداخل، بينما سقوط المقاومة يعني سقوطها كمشروع وسقوط معاركها في الداخل معاً، لذلك ما يصحّ اليوم لم يكن متاحاً بالأمس، فالحزب قد نجح مع حلفائه باستثمار المنجزات التي تحققت في المعارك الإقليمية التي خاضها لضمان وصول حليف موثوق إلى رئاسة الجمهورية، وتمكّن بالتعاون الوثيق مع حليف تاريخي هو رئيس المجلس النيابي نبيه بري من ضمان السير بقانون انتخابات على أساس النسبية، يقطع الطريق على تحويل أيّ معركة سياسية داخلية إلى مشروع فتنة طائفية، بعدما ضمن التعددية داخل كلّ الطوائف، وصار السير بمعارك الداخل مستنداً إلى مسار جديد في حياة النظام السياسي وليس مجرد تلبية لحلم أو مغامرة غير محسوبة في استثمار القوة.

العناوين التي طرحها السيد نصرالله، من اللامركزية الإدارية الموسّعة إلى تبني خيار المناقصات في التلزيمات العامة، إلى حصرية نظام المباراة عبر مجلس الخدمة المدنية لدخول الوظيفة العامة في الدولة ومؤسساتها، إلى مكننة الإدارات العامة، عناوين تتصل بصورة مباشرة بالحرب على الفساد، وهذا لا يعني حرباً غوغائية تستهدف تعليق الرؤوس وتقديم الضحايا، بقدر ما تستهدف بناء البيئة المحصّنة بوجه مخاطر الفساد والهدر، دون توقع الرحمة مع الفاسدين والتغاضي عن ملفاتهم. ومعنى هذه العناوين السعي لحوار مع الحلفاء ومن خلالهم الشركاء في الدولة حول هذه العناوين لتحويلها قوانين ومراسيم لا يستقيم أداء الدولة بدونها.

– أطلق السيد نصرالله العنوان الكبير، والفشل ممنوع. والمطلوب من كلّ الحلفاء والأصدقاء والحريصين دخول النقاش الإيجابي حول: كيف يمكن الفوز بمعركة بناء الدولة وتنمية اقتصادها؟ كيف يمكن للحرب على الفساد أن تكون أكثر جدوى وجدية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى