مقالات مختارة

الرياض غير «متحمسة» راهنا لإعادة طرح استراتيجية الدفاع: ابراهيم ناصرالدين

 

تضخيم البعض للانعكاسات المفترضة لنتائج الانتخابات النيابية المقبلة على التوازنات الداخلية والاقليمية، لا يعدو كونه من عدة «الشغل» الانتخابية، فلا الاستحقاق سيكون مفصليا لجهة تغيير موازين القوة، ولا نية لاحد من الفرقاء للبناء على تلك النتائج للانقلاب على التفاهمات السياسية القائمة حاليا في البلاد.. ولذلك يبدو الاهم بالنسبة لبعض القوى الدولية والاقليمية الحفاظ على «الستاتيكو» القائم، وعدم منح حزب الله بعد الانتخابات الفرصة لتعزيز موقعه داخليا واقليميا من خلال منحه «شرعية» لسلاحه، وهذا ما يفسر طلب المملكة العربية السعودية من حلفائها الاكتفاء «بالصمود» بانتظار التطورات الاقليمية، مبدية عدم حماستها للبحث الاستراتيجية الدفاعية في هذه المرحلة؟

وبحسب اوساط وزارية بارزة، ابلغت السعودية رئيس الحكومة سعد الحريري عندما زارها مؤخرا تفهمها لواقع الحال على الساحة اللبنانية، ولموازين القوى التي لا تسمح بـ«عزل» حزب الله داخليا، وعندما جدد رئيس الحكومة تقديم مطالعته حيال معادلة «ربط النزاع» القائمة مع الحزب من خلال مشاركته في الحكومة الحالية، وكذلك في الوزارة المقبلة، لم يبد السعوديين اي مواقف سلبية تجاه هذه المقاربة وتبين انهم تخلوا عن تزمتهم السابق حيال هذه المسألة، وباتوا يتبنون مقاربة اكثر واقعية، لكن مع الاصرار على وقف حدود التدهور السياسي للفريق المحسوب على المملكة، عند هذا الحد، وعدم السماح لحزب الله بأي شكل من الاشكال «بتشريع» سلاحه وادخاله ضمن منظومة مقوننة تعطيه «ورقة» قوة غير قابلة العزل في المرحلة المقبلة.

ووفقا للمعلومات، ابدت الرياض حرصها على عدم تكرار نموذج «الحشد الشعبي» في العراق على الساحة اللبنانية، بعد قوننته في المجلس التشريعي واعتباره جزءا من القوات المسلحة العراقية، وقد شرع المسؤولون السعوديون في نقاش دقيق وعميق مع الرئيس الحريري حيال مفهومه للاستراتيجية الدفاعية المنوي مناقشتها بعد الانتخابات النيابية، وعلى عكس الاندفاعة الاوروبية والاميركية حيال ضرورة وضع سلاح حزب الله على «الطاولة» من جديد، تبدو المملكة اكثر حذرا، ولا تريد الاستعجال في الاقدام على خطوة غير مضمونة النتائج، خصوصا انها تلمست عدم وجود قدرة على الخروج بقرار رسمي لبناني يضع السلاح في إ مرة الجيش والمؤسسات الشرعية وحدها. وهذا الاستنتاج ليس مجرد تحليل بل جواب واضح وصريح قدمه رئيس الحكومة عند سؤاله عما يتضمنه هذا الحوار المفترض حول السلاح، وكان جوابه ان الامل ضئيل جداً ان لم يكن معدوما في الخروج بنتائج عملانية تخرج حزب الله من المعادلة الاقليمية في المنطقة مكررا القول ان المسألة اكبر بكثير من قدرة الافرقاء اللبنانيين على حلها، وهي مرتبطة بحصول تفاهمات دولية واقليمية لا تبدو انها في طور الحصول في ظل احتدام الصراع في المنطقة.

وازاء ذلك، يفضل السعوديون بقاء الامور على حالها كي لا ينجح حزب الله في «غفلة» من الجميع في تمرير «قوننة» سلاحه، بمساعدة من رئيس الجمهورية ميشال عون المصنف في الرياض أنه ما زال الحليف الاوثق لحزب الله من خارج الطائفة الشيعية، وبحسب تلك الاوساط، لا تعير الرياض اي انتباه الى نصائح بعض الحلفاء في الرهان على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل «المتمايز» في بعض مواقفه الاخيرة عن الحزب، او الاتكاء على صراعه المفتوح مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وذلك لمعرفة السعوديين بأن العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين، منذ تفاهم مار مخايل، لم تهتز ويرعاها مباشرة الرئيس عون، وبوجوده ليس بمقدور اي مسؤول في «التيار» مهما علا شانه ان يهز هذه العلاقة المبنية على تداخل واضح بين المصالح الداخلية والاقليمية، ورئيس الجمهورية بصفته «المسيحي المشرقي « يعتقد بشدة بالحاجة الى تحالف ضروري «للاقليات» لمواجهة المد المذهبي والطائفي الذي حاول اجتياح المنطقة ولا يزال.

وازاء هذه المعطيات، باتت الطموحات السعودية في درجة متدنية وهي تقوم اولا واخيرا على «صمود» من تبقى من الحلفاء بقيادة الحريري باعتباره السني الاكثر تمثيلا على الساحة اللبنانية، المطلوب الان عدم تقديم المزيد من التنازلات، وهذا لا يمنع من «زكزكة» حزب الله عبر تحقيق انتصارات معنوية غير مؤثرة في ارض الواقع، ولكنها مفيدة لرفع معنويات الفريق السياسي المناهض للحزب الذي عانى في الفترة الاخيرة من سلسلة انتكاسات ادت الى حالة من الوهن «والاستسلام» للامر الواقع. وهذا يفسر التدخل السعودي المباشر لجمع القوات اللبنانية وتيار المستقبل على لائحة واحدة في دائرة بعلبك- الهرمل، مع حرص على التسويق بأنها «ام المعارك»، على الرغم من ادراك الجميع ان «الجنازة حامية» «والميت كلب»، لانه مهما تكن النتائج في تلك الدائرة التي يحرص حزب الله على عدم اعطاء الفرصة لخصومه بتسجيل نقاط عليه فيها، فان شيئا لن يتغير مع الاقرار المسبق من قبل «الثنائي الشيعي» بأن القانون الجديد يعني حكما خسارته المحتمة لمقعدين او ثلاثة في تلك الدائرة، الا اذا نجح في الحشد، وزاد نسب الاقتراع ورفع الحاصل الانتخابي.

وفي هذا السياق، لن يتوانى الحزب عن استغلال العنوان السياسي للمعركة والتي اختار خصومه اعطاءها هذا البعد،لاعادة تظهير حقيقة المواجهة الدائرة في لبنان والمنطقة، بعيدا عن نائب بالزائد او بالناقص، فالمعادلات الحاكمة للتوازنات اللبنانية تبقى خارج مجلس النواب المحكوم بسقف التفاهمات السياسية في البلاد والتي ستنعكس ايضا على تشكيل الحكومة المقبلة التي يدرك السعوديون جيدا ان عودة الحريري الى رئاستها محكومة بالتزامه بمضامين التفاهم الرئيسي مع الرئيس عون وضمنا مع حزب الله بصفته «اللاعب» الاقوى من «خلف الستار».

اما الصمود المطلوب سعوديا من الحلفاء، فمرده الى قناعة لدى المملكة بأن زيارة ولي العهد محمد بن سلمان الى واشنطن ستنتهي بتفاهم على خطة عمل تكاملية لمواجهة ايران، ثمة رهان على اخراج القضية الفلسطينية من التداول عبر «صفقة القرن»، وهذا يعني حكما سحب «بساط» «المقاومة والممانعة «من تحت الايرانيين وحزب الله، وكذلك يتحدث السعوديون عن تقاطع مصالح اميركي – روسي سيؤدي حكما الى اخراج النفوذ الايراني من سوريا، وذلك ضمن معادلة تبادل المصالح بين واشنطن وموسكو، وهي خطوة ستأتي بعد قرار سيتخذه ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي. يضاف الى ذلك وجود نظرة تفاؤلية غير مبنية على وقائع، ولكنها موجودة بقوة لدى الامير محمد بن سلمان، «باستعادة» العراق الى الحضن العربي! واخراجه من دائرة النفوذ الايراني، وهذا في رأيه سيؤدي حكما الى ابقاء ايران وحزب الله ضمن جزيرتين معزولتين عن التواصل الجغرافي، وسيعزلهما سياسيا، وسيؤدي حكما الى اضعافهما في ظل تنامي تفاهمات اقليمية ودولية ستكون السعودية محورها الرئيسي، واسرائيل «العصا الغليظة» فيها.

وفي تعليقها على هذه الرؤية، ترى اوساط مقربة من حزب الله ان الاهم في ما ورد من «احلام يقظة» سعودية، ان المملكة طلبت من حلفائها اللبنانيين الانتظار والصمود ولم تورطهم في تحركات لمواكبة تلك الاحداث المفترضة، اما الرهان على تحولات على هذا النحو «الدراماتيكي» فتظهر مجددا سوء تقدير السعوديين للموقف وعدم ادراكهم لطبيعة التحولات التي دفع ثمنها محور المقاومة الكثير من «الدماء» في المنطقة… قد تكون الرهانات السعودية على انسحاب اميركي مرتقب من الاتفاق النووي مع ايران او على وعود بتدخل اسرائيلي في مكان ما، امرا قابل التحقق، لكن ماذا عن النتائج؟ وهل تدرك الرياض ما هي طبيعة رد الطرف الاخر؟ اما الرهان على تطور في الموقفين العراقي والروسي ففيه الكثير من المبالغات التي يطول شرح عدم صوابيتها، لكن الاكيد مرة جديدة ان السعوديين وقعوا مجددا ضحية الحسابات الخاطئة وعليهم مراجعتها قبل فوات الاوان…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى