الاقتصاد والسياسة قد يضعان أوروبا والولايات المتحدة وجهاً لوجه
حميدي العبدالله
بات واضحاً أن علاقة التحالف القائمة بين الولايات المتحدة ودول أوروبا التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية تواجه الآن تحديات كبيرة، تحديات تنطوي على ديناميات سياسية واقتصادية، أو بالأحرى اقتصادية بالدرجة الأولى قد تقود إلى عودة العلاقات بين ضفتي الأطلسي إلى ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية، أي حصول شيء من افتراق المصالح. من أبرز هذه التحديات ثلاثة :
• التحدي الأول، ناجم عن نزعة الحمائية المتصاعدة من قبل الولايات المتحدة، ولاسيما في ظل إدارة ترامب التي وضعت مصالح الشركات الأميركية في المرتبة الأولى حتى وإن كانت هذه السياسة تقود إلى إلحاق الضرر بالاقتصادات الأوروبية.
في أحدث وقائع عن السجال بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على فرض رسوم إضافية على واردات الولايات المتحدة من مواد الصلب والألمنيوم من بلدان الاتحاد الأوروبي تصل إلى 25% من القيمة العامة للمشتريات، ولوح ترامب بفرض ضرائب على السيارات المنتجة في أوروبا وقال ترامب حرفياً «من المستحيل أن تباع السيارات الأميركية في أسواقهم بينما تدخل سياراتهم السوق الأميركية من دون رسوم جمركية» واعتبر ذلك خللاً كبيراً يجب تصحيحه. وأضاف ترامب عن علاقة بلاده الاقتصادية بالاتحاد الأوروبي عبر تغريدة لـه على «توتير» «إن لدى الولايات المتحدة عجزاً تجارياً سنوياً بقيمة 800 مليار دولار» واستنكر رئيس المفوضية الأوروبية «جان كلود يونكر» تصريحات ترامب مؤكداً أنها تمثل «تدخلاً سافراً لحماية الصناعة المحلية الأميركية» وأضاف «لن نجلس بلا حراك، صناعتنا تتعرض لإجراءات غير عادلة تعرض آلاف الوظائف الأوروبية للتراجع، سندافع في الاتحاد الأوروبي بحزم عن مصالحنا». على هذا الصعيد تسود علاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشبه العلاقة بين فرنسا ديغول والولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي التي دفعت الكاتب «جاك شرايبر» لإصدار كتابه «التحدي الكبير» الذي تحدث فيه عن افتراق المصالح الاقتصادية بين ضفتي الأطلسي، مع فارق أن هذه الحالة اليوم تشمل كل دول الاتحاد الأوروبي، أو على الأقل غالبيتها، وليست محصورة بفرنسا وحدها.
• التحدي الثاني، العلاقة مع روسيا. من المعروف أن روسيا هي دولة رأسمالية، ونشأت على امتداد العقدين اللذين أعقبا سقوط الاتحاد السوفيتي، علاقات اقتصادية بين دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، ولاسيما بين كل من ألمانيا وفرنسا وروسيا حيث نشأت شراكة تجارية واستثمارية تقدر بعشرات مليارات الدولارات. سياسية العداء والقطيعة والعودة إلى أجواء الحرب الباردة المعتمدة من قبل الولايات المتحدة تجاه روسيا، ولاسيما فرض عقوبات اقتصادية أميركية على روسيا ألحقت ضرراً فادحاً بالشركات الأوروبية ويمكن لتصاعد فرض العقوبات أن يرفع مستوى هذا الضرر في ضوء تداخل وهيمنة الاقتصاد الأميركي على الاقتصادات الأوروبية، حيث أن نظام العقوبات الذي تعتمده الولايات المتحدة والذي يسمح للعقوبات الثنائية، أي المعتمدة من قبل الولايات المتحدة وحدها، بإلزام الشركات الأوروبية التي تشكل مدخلات أميركية بنسبة 10 % من إنتاجها بمقاطعة روسيا وعدم التعامل معها. وبديهي أن هذا سيقود إلى تفاقم الضرر الاقتصادي الناجم عن العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
• التحدي الثالث، الموقف من الاتفاق الموقع بين إيران ودول (5+1)، حيث تسعى الولايات المتحدة لفسخ مشاركتها في هذا الاتفاق، وتهدد بالعودة إلى سياسة العقوبات التي كانت معتمدة قبل التوصل إلى الاتفاق، وعلى الرغم من التوقيع على الاتفاق ترفض الدول الأوروبية التراجع عنه طالما أن إيران تطبق هذا الاتفاق، ولكن الولايات المتحدة تهدد بفرض عقوبات على إيران وتسعى لإلزام شركائها الأوروبيين في هذه العقوبات، وتهدد واشنطن بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية إذا لم تلتزم بالعقوبات الأميركية، وهذا من شأنه إلحاق الضرر أيضاً بالشركات الأوروبية.
تضافر فعل التحديات الثلاثة يخلق وضعاً اقتصادياً، ولاحقاً سياسياً، غير مسبوق في العلاقات الأميركية الأوروبية، وقد يعيد على المدى البعيد العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة إلى ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الثانية.