المرأة في الانتخابات اللبنانية…. ظالمة أم مظلومة؟ د. ليلى نقولا
يتحضّر لبنان للانتخابات التي ستحصل على أساس القانون الجديد الذي يعتمد النسبية على 15 دائرة، والصوت التفضيلي على مستوى القضاء، والذي يحمل العديد من التغييرات التي أعلنت الحكومة اللبنانية أنها بمنزلة إصلاحات، ويقال إنها ستعيد خلط الأوراق على مستوى وصول النواب إلى الندوة البرلمانية وتعطيل قدرة المحادل الانتخابية على احتكار تمثيل الشعب اللبناني كما كان يحصل سابقاً، علماً أن هذا القانون لا يسمح للمرشحين المستقلين بخوض الانتخابات إلا ضمن لوائح، ما يعني انتهاء ظاهرة المرشّح المنفرد الذي يمنّي النفس باختراق اللوائح، أو على الأقل تكريس حيثية انتخابية معينة .
أما في ما يخص المرأة اللبنانية، فكان لافتاً الترشيح الخجول للنساء على لوائح القوى السياسية الحزبية، سواء التقليدية أو التغييرية، واتهام رؤساء الأحزاب للمرأة بالتقاعس وتنصلهم من ترشيح سيدات على لوائحه بالقول إنهم لم يجدوا نساء كفوءات، أو إن النساء ليس باستطاعتهن تجيير أصوات كافية للائحة، أو إن الاستطلاعات أظهرت أن النساء لا تصوّتن للنساء.
لنبدأ من الجزئية الأخيرة، ولنشرح ماذا يعني تحميل المرأة اللبنانية مسؤولية التقصير الحزبي، واتهامها بأنها ظالمة بحق نفسها وحق النساء لأنها “لا تصوّت للمرأة فقط لأنها امرأة“!
تشير الدراسات إلى موجات ثلاث من الحركات النسوية عبر التاريخ المعاصر، بدأت الموجة الأولى في القرن التاسع عشر وانتهت مع بداية القرن العشرين، واستطاعت أن تحصّل للمرأة الحق في التصويت وبعض الحقوق السياسية، وبرزت الموجة الثانية في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، وطالبت بمزيد من الحقوق الاقتصادية والثقافية للمرأة، والمساواة مع الرجل في العمل والدخل وغيره، أما الموجة الثالثة التي انطلقت مع بدايات القرن الحادي والعشرين، فطالبت بالعدالة الاجتماعية وتمكين المرأة، وبما أن التمكين كلمة تعني العديد من المفاهيم والأمور العامة غير المحددة، والتي تتباين ثقافياً بين مجتمع وآخر، فقد انقسمت الحركة النسوية إلى تيارين واضحين: التيار الليبرالي والتيار الراديكالي.
والمشكلة هي في هذا التيار الراديكالي بالتحديد، حيث تصل بعض النساء المنضويات في هذا التيار إلى “شيطنة” الرجل، مطالبة بسحقه وواجب تأييد المرأة فقط لأنها امرأة، ومنها نفهم ما تعنيه مادلين أولبراين في معرض دعمها للمرشحة هيلاري كلينتون بقولها “هناك مكان خاص محجوز في الجحيم للنساء اللواتي لا يدعمن بعضهن بعضاً“.
الأكيد، آخر ما تريده المرأة اللبنانية والأحزاب ذاتها هو هذه النسوية الراديكالية في مجتمع يقدّس العائلة وينبذ الفردية الأنانية. وليس المطلوب أبداً من المرأة اللبنانية في معرض تحصيل حقوقها السياسية والاجتماعية أن تصل إلى مرحلة “شيطنة” الرجل واعتباره سبباً لكل مشكلاتها وحرمانها والظلم اللاحق بها والدعوة لسحقه، بل عليها الإيمان بالتكامل معه، وأن تدرك أن المواطن اللبناني بشكل عام (سواء رجل أم امرأة) تظلمه القوى السياسية الطائفية التي تتحالف مع رجال الأعمال وأمراء الحرب على حسابه وحساب حقوقه كمواطن إنسان.
وإذا أردنا أن نفتش عن جزء من حل، ولئلا نقع دائماً في فخ جلد الذات والتركيز على المشاكل بدون محاولة إيجاد الحلول، فيمكن إدراج أمرين:
– الأول متعلق بالمرأة اللبنانية نفسها، والتي كافحت وأثبتت نفسها في شتى الميادين غير السياسية، ومطالبتها بمزيد من النضال والكفاح جنباً إلى جنب مع الرجل، وحثّها على الثقة بنفسها، والضغط على الأحزاب لإيصال المرأة إلى المراكز القيادية، على أمل أن يكون هناك ترشيح أكبر للنساء الحزبيات في الدورة المقبلة.
– الثاني، المطالبة بالكوتا النسائية في الدورات الانتخابية المقبلة، ورفض الذرائع التي تقدّمها القوى السياسية لرفضها، فالتجارب التاريخية في العالم، وفي العالم العربي خصوصاً، أثبتت أنه لم تستطع النساء الوصول إلى البرلمان وتشكيل حيثية إلا من خلال الكوتا.
لقد ساقت بعض القوى السياسية حملات ضد الكوتا باعتبارها تمييزاً وإجحافاً بحق المرأة اللبنانية، وتمس بجوهر المساواة، علماً أن “الكوتا”، وهي تعبير لاتيني، تعني “نظام انتخابي يهدف إلى ضمان حقوق الأقليات في الانتخابات العامة للوصول إلى السلطة السياسية”.. إذاً، كيف يمكن للقوى السياسية رجم الكوتا حين تتصل بحقوق المرأة اللبنانية، بينما النظام اللبناني برمتّه يقوم على مبدأ الكوتا أو الحصص، فالمسيحيون والمسلمون لهم حصص وكوتا مخصصة لكل مذهب، والأقليات الطائفية لها كوتا، وإلا لما استطاعت أن تتمثل في البرلمان والحكومة ووظائف الفئة الأولى؟
في المقابل، تنصّ المادة الرابعة من اتفاقية “سيداو” (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) على أنه “لا يُعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقتة تستهدف التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزاً بالمعنى الذي تأخذ به هذه الاتفاقية، لكن يجب ألاّ يُستتبع، على أي نحو، الإبقاء على معايير غير متكافئة أو منفصلة، كما يجب وقف العمل بهذه التدابير متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة”.. وهذا يعني أن الكوتا يمكن أن تكون خطة مرحلية يمكن إلغاؤها عندما تتحقق المساواة الفعلية بين الجنسين في لبنان.