بقلم ناصر قنديل

ماذا يعني الطلب الإسرائيلي بنشر الإندوف؟: ناصر قنديل

توجّهت حكومة الاحتلال بطلب رسمي للأمم المتحدة لإعادة نشر وحدات الفصل التي تحمل اسم الإندوف على خط فك الاشتباك مع سورية منذ العام 1974، بعدما كانت قد قدمت التسهيلات اللازمة لجبهة النصرة وسواها من الجماعات المسلحة لاحتلال مواقع المراقبين الأمميين وخطفهم، إيذاناً بنهاية مهتمهم وفتح خط الحدود لتقديم الدعم الإسرائيلي للجماعات المسلحة لتشكيل حزام أمني حدودي يشبه ما أقامه العميل أنطوان لحد في جنوب لبنان قبل التحرير عام 2000، من جهة، وهو ما لم تتورع «إسرائيل» عن التصريح به علناً، سواء على مستوى رئيس الحكومة أو وزير الحرب، مسندة المهمة لجبهة النصرة كفرع رسمي لتنظيم القاعدة في سورية، واصفة إياها بالفريق المؤتمن على أمن الكيان المحتل. ومن جهة مقابلة كان نعي اتفاق فك الاشتباك إعلاناً مباشراً ببدء مرحلة مفتوحة من التدخل العسكري الإسرائيلي في العمق السوري كترجمة لمشروع تفكيك سورية، وإسهاماً بالمشروع الأميركي السعودي الهادف لإسقاط مشروع الدولة الوطنية في سورية .

التفسيرات التي قدّمها المحللون التابعون لحكومة الاحتلال للطلب الإسرائيلي، هو أن الجيش السوري بات على الحدود، وقد أنهى عملياً أغلب الجماعات المسلحة، أو يكاد، وبالتالي لا جدوى من مواصلة حال الإنكار القائمة على رفض الاعتراف بوقائع استعادة الدولة السورية لمعادلات القوة، سواء بوجه الجماعات المسلحة، أو بوجه «إسرائيل» نفسها، خصوصاً بعد إسقاط الدفاعات السورية للطائرة الإسرائيلية الـ «إف16»، بصورة هشمت صورة الردع الإسرائيلي.

كان واضحاً دائماً أن العامل الحاسم في رفض الأميركيين لمنطق التسوية في سورية، وفقاً للمفهوم الروسي القائم على رفض البحث بأي معادلات تطلبها «إسرائيل» تتصل بمستقبل الدولة السورية، أو بمستقبل الرئاسة فيها، أو بترتيبات تخرج حلفاء سورية لتطمئن «إسرائيل»، كان دائماً محكوماً بحسابات تتصل بالطلبات الإسرائيلية، والواضح أيضاً بالمقابل أن «إسرائيل» كانت تربط منذ تحرير حلب على الأقل، كل خطوة عسكرية في سورية، بحساب ما سيقدر عليه الأميركيون ومعهم سائر الحلفاء، وخصوصاً السعودية، من تغيير في التوازنات الحاكمة للمعادلة العسكرية في سورية، وتعطيل قدرة الدولة السورية على استعادة الجغرافيا الخاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة. وهذا يعني أن الطلب الإسرائيلي ما كان ليتمّ، إلا بعد تبلور حقيقتين: الأولى يقين إسرائيلي باستحالة الحصول على مكاسب تتصل بمطالبها في سورية، والثانية استحالة حدوث تغييرات تقف واشنطن وراءها تسمح بالرهان على تبدل المشهد المتصاعد في دلالاته على أفق عودة سورية القوية والموحّدة.

الطلب الإسرائيلي يعني الإقرار العملي بسقوط مشروع «إسرائيل» المزدوج، بالرهان على نجاح مشروع الحزام الأمني من جهة، والرهان على فعالية التدخلات العسكرية الأميركية والإسرائيلية لفرض تنازلات على سورية تتصل بتركيبة دولتها أو بتحالفاتها، وبمثل ما كان القرار الإسرائيلي بإنهاء دور الإندوف، وإسقاط اتفاق فك الاشتباك الموقع عام 1974 إيذاناً ببدء مرحلة التدخلات الإسرائيلية الأميركية لتقسيم سورية أو فرض تقاسمها واقعياً وتعطيل قيام مشروع الدولة فيها إلا مشروطاً بتغييرات هيكلية تلغي كونها دولة استقلال ومقاومة، فإن العودة الإسرائيلية لطلب انتشار الإندوف والعمل باتفاق فك الاشتباك يعلن نهاية هذه المرحلة والاعتراف بفشل المشروع الإسرائيلي الأميركي للتقسيم والتقاسم، ولانتزاع تنازلات تتناسب مع التطلعات الأميركية الإسرائيلية المنشأ.

– الجواب للمتسائلين عن فرضية ضربة أميركية لسورية، يأتي بالطلب الإسرائيلي الذي ما كان ليتمّ لو كان لدى حكومة الاحتلال أي أمل بتغييرات للوضع المتصاعد نحو انتصار سورية واستعادة جغرافيتها، تحت لواء دولة مستقلة موحّدة في ظل رئيسها وراية جيشها، فـ «إسرائيل» خير من يعمل بحقيقة الموقف الأميركي الفعلي بعيداً عن البروباغندا، ومناورات الضحك على لحى الحلفاء الصغار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى