انتخبوا أنفسهم: سيما كدمون
مع أن رؤساء أحزاب الائتلاف نزلوا عن الشجرة العالية التي تسلقوها، فإن من نزل من هناك حقاً هو رئيس الوزراء. فمساء أول من أمس فقط سخر من رؤساء المعارضة الذين يخافون الانتخابات، وبعد استطلاع واحد وأقل من يوم من المداولات الحثيثة تواضع في تطلعاته لاعادة احتلال رئاسة الوزراء وأعلن عن عودة الحياة إلى سيرها الطبيعي .
إذن من قال ان ليس للاستطلاعات تأثير؟ فبعد الشكل الذي تصرفت فيه أمس الساحة السياسية، يمكن اجمال الامر والقول، انه لا تكون الاستطلاعات تعكس الواقع دوماً، ولكن لها قدرة هائلة على تغييره. وهذا ما حصل أمس، ولا داع لأن يروي لكم أحد قصصاً عن المسؤولية الوطنية، عن مصلحة الدولة وعن الراشدين المسؤولين الذين عملوا من خلف الكواليس انطلاقا من الحرص على مصلحة الجمهور الإسرائيلي.
أحد من كل اللاعبين في هذه المهزلة التي تسمّى قانون التجنيد، لم يفعل ما فعله بدوافع مصلحة الدولة. لا أولئك الذين أدوا إلى الازمة، لا اولئك الذين انسابوا معها ولا اولئك الذين حاولوا بكل قوتهم حلها. لا يوجد هنا إيثاريون. يوجد هنا سياسيون متهكمون، يحرصون قبل كل شيء على كراسيهم وعندما يهددها شيء ما، فإنهم يحتمون بقوى عليا كي ينقذوا جلدتهم.
لم يتراجع رئيس الوزراء عن نيته التوجه إلى الانتخابات لاعتقاده ان هذا يضر بالدولة. فقد تراجع لأنه فهم بأن من شأن هذا أن يعود اليه كالسهم المرتد. فالحصول على استطلاعات مادحة من 30 مقعدا هذا شيء يعظم النفس، ولكن ليس عندما يكون هذا على حساب أولئك الذين يفترض أن يكونوا شركاءك في الحكومة القادمة. حتى 35 مقعدا لن تساعد نتنياهو على تشكيل ائتلاف، إذا كان شركاؤه ضعفاء أو غير موجودين. وهذا ما أظهرته الاستطلاعات التي أُجريت أول من أمس في قنوات التلفزيون. أحزاب الائتلاف التي بصعوبة تجتاز نسبة الحسم أو تلك التي ستنزل في عدد مقاعدها. وعندما تكون لهذه الاحزاب أصلا عدم رغبة تامة في التوجه إلى الانتخابات، فهذا بالتأكيد يبعث على اعادة التفكير.
ولكن يحتمل أن يكون ما غير الصورة هو بشكل عام شيء آخر. فقد كان نتنياهو واثقاً من تجربة الماضي بأنه هو الذي يقود ويقرر موعد الانتخابات إذ ليس مريحا للجميع، ولا سيما للمعارضة، الاعتراف بأن الموعد ليس مناسبا لهم. فمن المتوقع منهم أن يبدوا استعدادا لكل موعد. أما انتظام كل أعضاء الكنيست، باستثناء مستقبل وميرتس لطلب أن تجرى الانتخابات في تشرين الاول شكّل عاملا مركزيا في اسقاط الخطوة. ففي مرحلة معينة كان لنتنياهو 46 نائبا فقط وافقوا على الانتخابات في حزيران. وكل الباقين في أكتوبر / تشرين الاول.
من ناحية رئيس الوزراء، كان سلم الاهمية قبل كل شيء ان تجرى الانتخابات في حزيران / يونيو، واذا ليس في حزيران ـ فمن الافضل ألا تجرى انتخابات على الاطلاق. والاسوأ من ناحيته، هو انتخابات في تشرين الاول. نصف سنة من اليوم هو زمن كثير، وعلى الاطلاق ليس مؤكدا ان ينجح نتنياهو في هذه الفترة الزمنية من الهرب من بشرى المستشار القانوني. واذا كان كذلك، فلعله من الافضل الشد قدر الامكان ما هو موجود، وعدم القتال على ما لا يمكن معرفة سينتهي.
ولكن الدفعة الاخيرة للهبوط من الشجرة أعطاها ليبرمان. فوزير الدفاع، الذي على مدى كل الاسبوع بدا كمن يعتزم السير حتى النهاية، لدرجة أنه كان بدا أنه بينه وبين نتنياهو توجد صفقة مربحة اكتشف أمس انه في الطريق إلى حقيبة الدفاع في الحكومة القادمة توجد محطة أخرى. واذا كان عدد مقاعده في هذه الانتخابات سيكون مثل ذاك الذي ظهر في الاستطلاعات، فليس مؤكدا على الاطلاق ان يصل إلى مرحلة الاتفاقات الائتلافية. وحتى بالنسبة لليبرمان كان هذا رهانا خطيرا جدا. وفي الظهيرة كان يمكن أن نراه يتجول ويركل الكرة لتعود إلى ملعب نتنياهو. ليبرمان ليس إمعة. وهو لا يعتزم ان يحفر بيديه حفرة لنفسه. أمس، لأول مرة، أظهر لنتنياهو الطريق لحل الازمة كي لا يسير إلى الانتخابات.
ليس مؤكدا أن نعرف في أي مرة كل ما وقع بين أذني نتناهو. إذا كان هذا هو الاستطلاع، الموعد، أو كان أموراً أخرى غيرت دافعه للسير إلى الانتخابات. مثلا، ماذا كان وزن الاتفاق الذي صاغته احزاب الائتلاف، وكان فيه تهديد ضمني للكشف عن حقيقة أن نتنياهو يجر الدولة إلى الانتخابات بسبب التحقيقات فقط. أما ربما كان هذا على الاطلاق وعدها بألا تفكك الحكومة إلى ان تكون توصية بلائحة اتهام كاملة ـ كاملة من المستشار القانوني.
هذا ايضا لا يهم. المهم أن نعرف كم سهل جر الدولة إلى انتخابات تكلفها مليارات. كم هي المصلحة الشخصية، نزعة البقاء، التلاعبات السياسية تملي جدول أعمال هذه الدولة.
وبأي سهولة يمكن قلب الجرة رأساً على عقب.
يديعوت