بقلم ناصر قنديل

يا معالي الوزير.. كلّها انتخابات: ناصر قنديل

إذا عطفنا كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق في حواره المتلفز ليل أمس، مع كلامه من منبر وزراء الداخلية العرب في الجزائر لا نستطيع إلا أن نشمّ روائح الانتخابات رغم الوجدانيات التي أراد الوزير ربط موقفه من قضية المسرحي زياد عيتاني بها، مستذكراً ما وصفه باتهامه بالعمالة وتعرّضه للتهديد وموقفه البطولي في مواجهة ذلك، مقابل نصائح تذكّر منها نصيحة للوزير السابق أشرف ريفي بإصدار بيان يهين نفسه به لطي الملف، والسؤال هنا هو بالاستذكار الذي أراده المشنوق نفياً لتهمة الاعتبارات الانتخابية في موقفه من ملف اتهام عيتاني، هل حشر اسم ريفي كان مجرد ذكر للوقائع، وهل استعراض موقف من الذاكرة لنيل التعاطف من جهة، واستعراض البطولة من جهة مقابلة، مجرد تذكّر لشاهد على العصر، أم هو جوهر الخطاب الانتخابي؟

يا معالي الوزير، هل تتذكر أنّ هناك من جرى اتهامه بما لا يقلّ خطورة عما وصفته باتهامك بالعمالة، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبمؤتمر صحافي رسمي لرئيس الحكومة، وبدون أيّ دليل، واقتُحم منزله وتمّ النيل من سمعته والتحريض على قتله، وكانت الأجهزة الأمنية التي تتباهى بصدقيّتها، هي مَن فبرك ومَنْ أعدّ ملفات الاتهام والشهود الزور، وهي مجرد مسخرة وفعل انتقام مريض وتوظيف سياسي مشبوه، وأنّ هؤلاء لبنانيين مثلك لهم عائلاتهم وسمعتهم ووطنيتهم، ولك كشخص أن تخالفهم الرأي، لكن لا يحقّ كوزير أن تستذكر حادثة أقلّ شأناً مما تعرّضوا له بفضل إنجازات تيارك السياسي الذي وظف مسؤولية شخصياته السياسية على أجهزة أمنية ليوظّفها لحساباته الفئوية، والمبرّر الوحيد لذاكرتك الأحادية هو شخصنة الحدث طلباً للتعاطف، والحساب انتخابي، والنفي هنا يأتي في معرض التأكيد.

في الجزائر كنت ممثلاً للبنان وحكومته، يا معالي الوزير، فهل تأتينا بمستند من البيان الوزاري للحكومة أو من قرارات مجلس الوزراء ما يخوّلك أن تقول، ما بدا بالنيابة عن مجلس الوزراء السعودي وليس عن مجلس الوزراء اللبناني، وفيه حرفياً أنّ «التمدّد الإيراني هو أحد أسباب الأزمة الأمنية والسياسية في العالم العربي، ولبنان العربي لم ولن يسمح بأن يكون شوكة في خاصرة العرب، ويجب ألا تيأسوا وألا تستسهلوا تسليم لبنان لإيران أو غيرها. فمن يسلّم لبنان يكون يسلّم نفسه، وهذا هو درس التاريخ الذي تعلّمناه معاً بكلفة عالية عالية عالية والمشروع الإيراني الذي لم ينجح في أن يكون عامل استقرار وإنماء في أيّ بقعة وصل إليها، فهذا الدور لم ينتج إلا الأزمات، لكنّ هذا لا يعفينا من السؤال: ماذا فعلنا في المواجهة مع إيران أو في الحوار معها؟». فهل هذا كلام وزير لبناني أم وزير سعودي، وما في هذا الكلام من تحريض ضمني على مَن يُفترض أنهم أدوات الدور الإيراني الذي تحذّر من مخاطره وتتعهّد بمقاومته، والمعني هنا شريك في الوطن وفي الحكومة، واللعب بنار الفتن يبدأ من هنا يا معالي الوزير، أم هذا هو شدّ العصب المذهبي عشية الذهاب للانتخابات؟ وهل هذا التزام بالنأي بالنفس الذي تدّعون أنه مطلبكم، وهل الحديث بنبرة سعودية له وظيفة غير الانتخابات وطلب الودّ، ولو بانتهاك حدود المسؤولية الدستورية؟

معالي الوزير، بيننا وبين الانتخابات شهران، فإذا كنت من اليوم مستعداً لارتكاب هذه التجاوزات ووزارتك هي المعنية بالعملية الانتخابية ونزاهتها، فأنت أكثر المطالبين بين زملائك بإثبات الحياد بالقدرة على الفصل بين صفتك الوزارية وكونك مرشحاً، وإ ثبات الحياد الوزاري في ملفات الانتخابات بمواقف الوزير وتصريحاته وسلوكه، وأول الثقة بالأمن، يا معالي الوزير، ليست الثقة بالأجهزة الأمنية التي لا تُعوزها الأهلية ولا الشجاعة ولا الكفاءة، ولا الثقة بالقضاء الذي لا تعوزه أهلية وكفاءة وشجاعة. أول الثقة بالأمن كما بالانتخابات هي الثقة بوجود وزير قبضاي شجاع يحمي الأجهزة من التدخلات السياسية، ويترفّع عن توظيف صفته الوزارية لحساب فريقه السياسي وحكماً لحساب مصالحه السياسية، والوقت لم يفُت بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى