تبحثون عن شيفرة حزب الله ؟
غالب قنديل
لا يجد العارف بالشؤون اللبنانية في كل ما نشر عن مؤتمر أبو ظبي حول حزب الله غير حالة من اليأس والعجز والدوران في حلقات التحريض الهجائي المنتمية لمصنفات الشتيمة السياسية التي تستهدف حزب الله وبصورة تكشف الغاية غير البحثية وغير العلمية التي حركت ذلك المؤتمر الخليجي الأميركي نحو جولة جديدة من عملية الشيطنة المستمرة ضد حزب احاط به هذا النوع من الاستهداف منذ إشهار وجوده ولو تواضع المنظمون قليلا لاقترحوا عنوانا مجديا فعليا للنقاش في صفوف معسكرهم الأميركي الخليجي ومن خلفه إسرائيل وهو “شيفرة الفشل في استهداف حزب الله”.
فالفشل هو الحصيلة الفعلية لأربعة عقود من الكر والفر الاستخباراتي والمؤامرات والحروب والحملات الإعلامية بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الناتو والحكومات الرجعية العربية وقد كلفت عشرات المليارات حتى اليوم قياسا لعينة السنوات القليلة التي دفع فيها السفير جيفري فيلتمان بأمره الشخصي وبتكليف من حكومة بلاده خمسمئة مليون دولار كما قال امام الكونغرس قبل سنوات.
شارك في حلقة أبو ظبي متحدثون شيعة من لبنان جرى اختيارهم لإنكار شبهة التحريض المذهبي ضد الحزب وقدموا أنفسهم كخبراء من خلف أقنعة سياسية وعقائدية ولم يقولوا لأحد من الحضور كيف يقيمون ويتحركون بحرية في مناطق سيطرة “الحزب الإرهابي ” و”المتسلط ” الذي ألصقوا به أبشع النعوت ويفترض انه يمتلك نظريا وفقا للصورة التي عرضوها كامل القدرة على منعهم من أي تحرك ونحن نعلم ان تحركاتهم وتنقلاتهم بل وندواتهم المكرسة لشتيمة الحزب في معاقله الشعبية لم تواجه أي قمع من جانب تلك القوة التي يقولون إنها تكم الأفواه وترفض الرأي الاخر ونعرف اكثر من ذلك حقيقة ما يلاقيهم به الناس في المنتديات العامة وفي القرى والبلدات والأحياء التي يقصدونها من استنكار ورفض وصد.
كل ما قيل في المؤتمر كان تكرارا لخطب ممجوجة شاخت من زمن بعيد في هجاء حزب الله ومحاولة تصويره ذراعا لأطماع إيرانية مزعومة ولم يقدم فعليا ما يدعيه العنوان من فك لأسرار القوة التي انطلقت بوصفها فصيلا رئيسيا في المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني منذ اجتياح العام 1982 وباتت باعتراف المهاجمين قوة إقليمية مهابة انتزعت دورا رياديا في الدفاع عن لبنان وبلدان المنطقة في مجابهة قوى التكفير رغم وقوف حلف دولي إقليمي واسع بقيادة الولايات المتحدة خلف الجماعات المتطرفة متعددة الجنسيات التي استحضرت إلى سورية والعراق ولبنان ومصر واليمن وليبيا بالقرار الأميركي الصهيوني.
الشيفرة الحقيقية لحزب الله هي انتزاعه عشقا واحتراما كبيرين في صفوف مواطنيه اللبنانيين والعرب وظهوره الراسخ كقوة حماية ودفاع في وجه أخطار مدمرة خبرها الناس وعرفوها كتهديد وجودي ولاذوا بحماية حزب الله لهم ودفاعه عنهم وحصدوا ثمار تمكنه من دحر التهديدات وكسر قواها بكل تواضع وإيثار والحقيقة ان الاحترام الذي انتزعه حزب الله في لبنان يعود إلى دوره في التحرير يوم كان الاحتلال الصهيوني مشكلة يومية حياتية وامنية لغالبية اللبنانيين بدون استثناء وكانت الدولة وقواتها المسلحة في حالة عجز وانحلال بل إنها ولعدة سنوات حشرت على المقلب الاخر إلى جانب العدو وقامت بمطاردة الوطنيين والمقاومين من جميع العقائد والاتجاهات الوطنية اللبنانية.
قدم حزب الله صورة عن الإيثار والتفاني في سبيل الوطن خلال معركة طرد الاحتلال وباكتمال التحرير قدم نموذجا لنهج القوة المنشئة للسيادة التي سلمت المناطق المحررة بهدوء ورقي حضاري لمؤسسات الدولة وهي لم تنجز بنفسها أي تصفية حساب مع العملاء بل وضعت ملفاتهم في عهدة القضاء اللبناني دون قيد او شرط وتحملت تبعات معنوية وامنية كثيرة للتراخي والمحاباة اللذين اعتورا الأحكام في ما بعد تحت تأثير حملات سياسية متعددة المستويات وقد استعان بعضها بالعصبيات الطائفية لتبرئة المتعاملين مع العدو.
جدد حزب الله حيوية الفكرة والصورة المشرقة التي انتزعت الاحترام وحصنت الهيبة الوطنية عندما حقق انتصارا مشهودا في حرب تموز وهو يتحول اليوم وبعد سنوات من القتال والعمل إلى نموذج قومي للقوة الشعبية الرديفة التي تساعد في دحر قوى الإرهاب والتكفير بالشراكة مع الجيوش الوطنية وقد تجلى دور الحزب بسطوع قوة النموذج الذي قدمه بالتجربة وما نقله من خبرات وقدرات مهمة إلى قوى شقيقة وبذل في سبيله أرواحا ودماء غالية في لبنان وسورية والعراق بصورة خاصة.
تبدأ شيفرة حزب الله من ابتسامة الطمأنينة على وجوه الناس في قرى وبلدات الجنوب الآمنة من العدوان الصهيوني ومن اعتداد الدولة اللبنانية بقدرتها على مواجهة التهديدات الصهيونية وخلف السطور اعتمادها على قدرات الردع التي راكمها حزب الله كما تضم الشيفرة دور حزب الله في نجاح لبنان بوأد الفتنة المذهبية وتفكيك أوكار الإرهاب الداعشي والقاعدي الذي استحضر إليه لتخريبه ولتدمير سورية.
تبدأ تلك الشيفرة قبل كل شيء بآلاف العائلات التي قدمت الشهداء والجرحى بطيبة خاطر وهي تحتفل بهم وتتباهى بقيمة عطاءاتهم التي وهبت فرص الحياة لجميع اللبنانيين بمن فيهم اولئك الذي سافروا إلى أبوظبي ليشاركوا في جوقة الشيطنة والشتيمة بدوافع شتى تتوزع بين الحقد والضغينة والبحث عن دور على هامش الموائد الأميركية غافلين اومتغافلين عن ان كل حرف قالوه جرى في مسرى الطواحين الصهيونية التي يرمز إليها معهد واشنطن الذي يملكه ويديره “الإيباك ” اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وهي مهمة لا تشرف لبنانيا أيا كان انتماؤه ورأيه أو موقعه.