الأمم المتحدة والانحطاط الأخلاقي: من اليمن إلى سورية: ناصر قنديل
– لم يعد تذكير القيّمين على الأمم المتحدة بما تثيره في الذاكرة تصرفات المنظمة الأممية تجاه كلّ ما يتعلق بـ«إسرائيل» من قرف، يثير في هؤلاء أيّ ردّ فعل بعدما وجدوا جواباً جاهزاً، بفرك اليدين والقول، إنها السياسة والقوى العظمى وليس بيدينا حيلة. والكلّ يذكر كيف ألغت الأمم المتحدة قراراً بتشكيل لجنة تحقيق في مجازر مخيم جنين عام 2002، لمجرد أنّ «إسرائيل» أعلنت رفض اللجنة، لذلك يكفي تناول التصرّفات الأممية في ملفات أخرى لا تطال قدس الأقداس المحرّم، الذي تمثله «إسرائيل»، ولو بقيت القرارات الأممية التي تطالبها وتدينها وتلزمها، مجرد أرشيف بلا لون ولا طعم ولا رائحة .
– في توقيت واحد ومنطقة واحدة تدور حربان، واحدة في سورية والأخرى في اليمن، وإذا قرأناهما بعين الأمم المتحدة الحولاء وارتضينا، فسيكون المشهد كما يلي، معارضة وحكم شرعي وبينهما حرب، وقوى خارجية تدعم كلاً من الفريقين، ومجازر بحق المدنيين ومأساة إنسانية مفتوحة، والجهة التي تتجه نحوها الأنظار الأممية في المسؤولية عن استخدام القوة المفرطة هي القوى الخارجية الداعمة للشرعية، في اليمن هي السعودية وفي سورية هي إيران وروسيا. وهذا وفق ما تقوله التقارير الأممية الصادرة عن الجهات ذاتها، خصوصاً المجلس العالمي لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية العاملة تحت المسمّى الإنساني، أما الفوارق أيضاً بعيون أممية، فهي أنّ سقف مطالب المعارضة المسلحة في اليمن هو الشراكة بحكومة موحّدة تتولى تطبيق حلّ سياسي يتضمّن حصر السلاح بيد الدولة وتضع دستوراً جديداً وتجري على أساسه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بينما في سورية فالحلّ الذي تطرحه الشرعية يقوم على مشروع يشبه ما تطلبه المعارضة في اليمن، وتقف الأمم المتحدة لتقول علناً بلسان مبعوثيها إنّ هذا الحلّ طلب مبالغ به من جانب المعارضة اليمنية التي يجب عليها إلقاء السلاح أولاً، وهو نفسه عرض غير واقعي ومتواضع من جانب الشرعية في سورية لا يصلح لتحقيق حلّ سياسي وتدعو لما تسمّيه انتقالاً للسلطة لا يُخفي المبعوثون الأمميون أنه يجب تضمينه تنحي الرئيس السوري أو على الأقلّ تعهّده بعدم الترشح للانتخابات. ولا يرفّ جفن لمسؤول أممي أمام هذا الانحطاط الأخلاقي الذي بسببه تستمرّ الحرب في سورية وفي اليمن، وهو الإجحاف بحق المعارضة في اليمن والدلع للمعارضة في سورية، ولم نذكر أبداً الفوارق الواقعية والموضوعية التي تسهل رؤيتها بين حال معارضة اليمن، التي تقاتل الإرهاب، ومعارضة وهمية في سورية تشكل الغطاء للإرهاب، ولا بين الشرعيتين، واحدة وهمية في اليمن، انتهت وسقطت في يوم واحد، وجاء التدخل السعودي يحملها قناعاً، وشرعية في سورية تملك على الأقلّ تأييداً من أكثر من نصف الشعب السوري، وهو النصاب اللازم ديمقراطياً لأيّ حكم.
– في كلّ مرة تحتدم الحرب في جولة من جولاتها في سورية أو في اليمن، إذا كان المتضرّر في اليمن من التصعيد الحلف المسمّى حلف الشرعية، تقوم قيامة الأمم المتحدة ولا تقعد، كما حدث يوم سقوط صاروخ واحد على الرياض، أما في سورية فتقوم القيامة ولا تقعد عندما تكون ما تسمّى بالمعارضة المسلحة في مأزق. وهي تشكيلات تقرّ الأمم المتحدة بتداخلها مع الإرهاب، ويبقى لأجلها مجلس الأمن الدولي في شبه انعقاد دائم، ومشروع قرار في التداول وآخر قيد الإعداد، ولا يخجل لا مسؤول أممي ولا مبعوث أممي ولا يخرج صحافي محترم ليتساءل عن هذا الازدواج الفاقع وما يثيره من غثيان، وما يكشفه من انحراف في مهمة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، لا يفسّره إلا تموضع سياسي إلى جانب أدوات الهيمنة فحيث المعارضة أداة لضرب دولة الاستقلال تصير ولداً مدلّلاً وتجري شيطنة وتجريم دولة الاستقلال، وحيث المعارضة أداة لنيل هذا الاستقلال تشيطن وتجرَّم، وتُصدَر العقوبات بحق قادتها.
– الأمم المتحدة بكلّ أسف ليست منظمة للشعوب، بل كانت ولا تزال أداة لسلب الشعوب حقوقها وإرادتها، ولا مكان للخجل فيها من انحطاط أخلاقي ينخر فيها ولا يبقي لها أيّ احترام عند الشعوب.