مقالات مختارة

“أخطاء” الحريري و«خطيئة» السعودية تحاصر «طموحات» المملكة: ابراهيم ناصرالدين

 

«استعجال» الرئيس سعد الحريري تلبية دعوة المملكة العربية السعودية لزيارتها، لا تعني ان عودته من المملكة ستحمل نتائج استثنائية على الواقع اللبناني، فعندما تم اختطافه في المرة السابقة، وتم اجباره على الاستقالة، لم تنجح المملكة في تمرير مشروعها، ولم تستطع «لي ذراع احد»، بمن فيهم تيار المستقبل، والان بعد عودة القيادة السعودية الشابة الى «جادة الصواب»، تعود الرياض من «الباب» بعد خروجها من «الشباك الضيق»، اسيرة للواقع، وليس عن «قناعة»، مع ادراكها المسبق بمحدودية ما يمكن انجازه على الساحة اللبنانية .

فسلسلة الاخطاء المرتكبة من قبل رئيس الحكومة، وفريقه السياسي، افقدت الرياض القدرة على احداث «توازن» مع ايران على الساحة اللبنانية، مهما ادعت عكس ذلك، ووفقا لاوساط وزارية بارزة في 8 آذار، عندما ترجمت الرياض غضبها باتخاذ خطوتها «المتهورة» ضد الحريري، كانت تعبّر حينها عن ضيق خياراتها، وكانت ترد لرئيس الحكومة «جحوده» بعد ان الحق بها هزيمة غير محسوبة من خلال انسياقه وراء خيارات ثبت لاحقا انها تضر اولا واخيرا بمصالح المملكة التي وجدت نفسها اسيرة خطوات «متهورة» من فريق سياسي، ساهمت بانتاجه، وكان همّه الوحيد العودة الى السلطة، وبأي ثمن، فأجرى مقايضة رئاسية، وبعدها انهارت الاستراتيجية السعودية في لبنان.

ووفقا لتلك الاوساط، لم يتغير شيئا اليوم، فالرئيس ميشال عون ما يزال محسوبا على «محور المقاومة»، ولم تنجح محاولات استدراجه كما أمل رئيس تيار المستقبل، ووعد رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع… على العكس من ذلك خرج الحريري من 14 آذار، وبادر الى «دفنها» في ذكرى 14 شباط، جره حزب الله بالتعاون مع الرئاسة الاولى الى تغطية حرب الجرود، قاطعا الطريق على امكانية استثمار تلك الجبهة «لاشغال» المقاومة، وهو ما يزال مقتنعا بان تكليفه بمهة تقليص نفوذ حزب الله، وصفة انتحار سياسي لن يقدم عليها.. وهوسبق وابلغ السعوديين ان هذه المواجهة تتجاوز قدراته، ولا توجد اي قوة وازنة في الداخل مستعدة لمؤازرته في هذه المهمة..ولم يغير قناعته.

وبحسب معلومات تلك المصادر، كرر الحريري امام الوفد السعودي ما سبق وابلغه للاميركيين «صراحة»، بان «الاتكال» على «شطحات» الوزير جبران باسيل غير مجدية، وطالما ان الرئيس عون موجود لا يمكن للتيار الوطني الحر ان يغير من طبيعة تفاهماته مع حزب الله، كما ان آمال بعض الاميركيين بامكانية حدوث خرق في المؤسسة العسكرية، لا يتعدى «الاوهام»، خصوصا في ظل القيادة الحالية في اليرزة و«المحصنة» من كل اختراق… اما باقي المكونات المعادية لحزب الله فقد جربت منذ العام 2005 كافة صنوف الاعتراض، وعادت في نهاية المطاف الى الاقرار بحتمية التعاون سياسيا مع الحزب..

وفي هذا الاطار، لم تتفهم الرياض حتى الان «خطيئة» موافقة الحريري على قانون الانتخاب الحالي، وهي تتهمه بانه وقع اسير «شعارات» لا تتناسب مع طبيعة المعركة التي تخوضها المملكة في المنطقة، وهو انساق برأي خصوم «المستقبل» في 14 آذار، وراء استراتيجية «غريبة» عن قواعد السياسة السعودية، وما كانت تتمناه المملكة ان ينسجم مع سياستها كما ينسجم الرئيس عبدالفتاح السيسي مثلا، لم يكن مطلوبا من الحريري اعتقال منافسيه، او قمع الحريات، وخوض انتخابات مضمونة النتائج، ولكن كان عليه وقف اندفاعة التيار الوطني الحر حامل شعار «التغيير والاصلاح»، وعدم الموافقة على قانون انتخابي سيؤدي حكما الى تقليص كتلته النيابية، واضعاف كل القوى السياسية مقابل «الثنائي الشيعي»، الذي يتكىء منذ الان على كتلة نيابية واسعة ومنوعة طائفيا ومذهبيا في المجلس المقبل، وسيكون الحريري مرة جديدة «اسير» «مزاجية» التيار الوطني الحر باعتباره «بيضة القبان» في المجلس النيابي المقبل، مع العلم انه في القضايا الاستراتيجية لا يمكن ان يقف في «وجه» حزب الله.

وبرأي تلك الاوساط، ستكتشف السعودية قريبا، انها لم تعد قادرة على جمع حلفائها في لبنان وراء قيادة موحدة او خطاب واحد يمكن ان يشد «عصب» القوى المناهضة «لحزب الله»، وهي لن تستطيع الحد من «النفوذ» الايراني، وما قاله العلولا في زيارته الى معراب، بان «المملكة لن توفّر جهداً لدعم كل من يقف مع قيام دولة فعلية في لبنان، تكون هي المُمسكة الوحيدة بالقرار الاستراتيجي، وأن تبسط سيطرتها منفردة على كل الاراضي اللبنانية»..يبقي شعار دون «اسنان»، لان الموفد السعودي لم يشرح كيف يمكن للمملكة ان تفرض ذلك؟ وهو سمع من «الحكيم» «شكوى» على سعد الحريري اكثر بكثير مما سمعه ازاء حزب الله… وامام انعدام الخيارات، وهربا من «الحرج» لم يكن امام «الحكيم» الا طمأنة الموفد السعودي بان هذا القانون يؤمّن التمثيل الصحيح لكل المكّونات اللبنانية، وأن كل الكلام عن «هيمنة» حزب الله على المجلس المقبل غير صحيح، وما يُثار من مخاوف في هذا الصدد هو في غير محله…!

المكسب الوحيد الذي حققته المملكة بعودتها الى لبنان، يتمثل في بقائها «المرجعية» او «الحاضنة» «للسنة» في لبنان، وما ساعدها على ذلك غياب المنافس التركي الذي لا يرغب في حجز مكان على الساحة اللبنانية، وهو بالاصل لا يرغب بالتعاون مع احد من خارج دائرة «الاخوان»..وعلى الرغم من «الفول» الكبير الذي ارتكب من قبلها بحق الزعيم الاول للسنة، ها هي تقول اليوم انه غير قادر على «مخاصمة» المملكة، وعاد الى «حضنه» الطبيعي على الرغم من كم الاهانات التي وجهت له خلال اقامته القسرية في المملكة.

لكل هذه الاسباب، تقول تلك الاوساط، لا يجب انتظار نتائج باهرة «للعودة» السعودية الى لبنان، جمع «شتات» 14 آذار جاء متاخرا، وما «كتب قد كتب» في الاستحقاق الانتخابي، الامر الجديد هذه المرة ان الحريري ذهب الى المملكة وهو غير محرج، واذا اراد الامير محمد بن سلمان فتح ملف «الاخطاء» المرتكبة من قبل رئيس الحكومة، فان لدى الحريري الكثير للحديث عن «الخطيئة» السعودية التي جعلت في «رقبته» «دين» لحزب الله الذي لعب دورا اساسيا ومحوريا في بقائه على قيد «الحياة» سياسيا… رئيس الحكومة سيعيد تكرار التزام لبنان بسياسة «النأي بالنفس»، لكنه يدرك كما يدرك السعوديون ان شيئا، لم، ولن يتغير في واقع الامر عما كانت عليه الامور قبل اجباره على الاستقالة، ولذلك سيبقى الانفتاح السعودي في حدوده الدنيا، المملكة ليست «جمعية خيرية»، استعادت الان «الابن الضال»، لكنه عاد «مسخنا بالجراح». ثمة فرحة لدى مجموعة لبنانية «ساذجة» بعودة السعودية الى لبنان، ومن الضروري تذكيرها، بان اي «عودة» لا تؤدي الى اضعاف حزب الله، وكانها لم تكن…وهذا امر غير متاح في المدى «المنظور» وغير «المنظور».

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى