حرب روايات: ران أدليست
في طوفان الفساد ينبغي أن نأخذ إلى انتباهنا بأن الانتفاضة الفلسطينية حية ترزق على درجة حرارة الغليان. لا تنتقل إلى العناوين الرئيسة وتشوش الحياة. ولكن آلاف الفلسطينيين يتظاهرون في بؤر مختلفة في الضفة، والمئات قرب الجدار في غزة. والنتائج هي قتلى وجرحى. أما الأثر الطبيعي المرافق فهو يد الجنود الأرشق على الزناد في الميدان .
واضح أن الذنب ليس فقط على الجنود الذين يعلقون في أوضاع متعذرة، بل أساس المسؤولية هو على سياسة الحكومة.وبعد أن يكون قيل كل هذا وتَبدَّد، يتبقى فقط القتلى وعائلاتهم وجنود الجيش الإسرائيلي المشاركون والجيش الذي لا يعرف بعد كيف يهضم قصصا مثل قصة ياسين سراديح (36 سنة). قبل نحو أسبوع ركض نحو الجنود أرسلوا كي يعتقلوا مطلوبين، وهو يحمل قضيب حديد. وقد أظهرت كاميرا الحراسة للدكان المجاورة ذلك بوضوح. وأعلن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بأن سراديح حاول خطف السلاح من أحد الجنود فأطلقت النار عليه. «مقربو» الجندي مطلق النار قالوا إنه شعر بخطر على حياته ولهذا فقد أطلق النار عليه. أما في الشريط فقد بدا سراديح مضروبا بشدة (بعد أن أطلقت النار عليه)، والجنود الضاربون يجرونه.
في هذه الأثناء تراجع الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي عن تقريره عن محاولة اختطاف السلاح. وروى تحقيق آخر للجيش الإسرائيلي بأنه كان ملقى به وهو مقيد ويحتمل أن يكون سبب الموت هو استنشاق دخان وسائل تفريق المظاهرات. ونقلت الجثة إلى معهد التشريح الجنائي في أبو كبير. وكان مشرح فلسطيني قد حضر التشريح. وتبين أنه أصيب في بطنه، تضرر شديد الضرر بالضربات على رأسه، وفي صدره وظهره الأسفل ونزف حتى الموت. وكان البيان الأخير للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي انه لما كان «المخرب مات في الوقت الذي كان معتقلا لدى قوات الجيش الإسرائيلي، فقد شرعت الشرطة العسكرية بالتحقيق».
والآن المشكلة هي كيف يمنع تطور إلى أزاريا 2. فمن يتابع تقارير الناطق يرى بوضوح كيف أن الجيش الإسرائيلي كجيش يحاول ويفشل في أن يقدم للعالم ولنفسه تفسيرات لأحداث لا يوجد سبيل لتفسيرها. فالحديث يدور عن سلسلة تقارير تبدأ بالجنود المشاركين، بالقادة الذين يشترون قصة تنقلهم إلى اليوم التالي دون فوضى أخرى عن الاضطرابات في الميدان. بعد ذلك يأتي القادة في الميدان ممن عليهم واجب التفسير الذي يريح عقل الفلسطينيين أيضا، وبعدهم القادة الذين يفترض بهم أن يريحوا أيضا عقل المجتمع الإسرائيلي وعقل العالم. كل واحد يطلق في حينه روايته، فيما يناور الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على محور الزمن بين الروايات، إلى أن يعلق بين إعلام يكشف التناقضات والتهديد بأزاريا 2. من هنا لاحقا، هذه لعبة على الزمن. مر يوم او أسبوع أو شهر. قتيل آخر يدخل في الدورة. وبعده آخر. ياسين سراديح نفسه لا يشكو. الكسل هو الدواء الأفضل لتطهير الضمير والحرج.
ما تبقى للفلسطينيين هو إعداد تقرير. وزارة العدل الفلسطينية سترفع تقرير التشريح لوزير العدل، ومن هناك إلى النيابة العامة. فماذا في ذلك؟ إذن هكذا، من أجل الإنهاء الملائم. سراديح لم يكن منتميا لتنظيم أو مطلوب. أعزب. لاعب في فريق كرة قدم، اشتغل في أعمال مختلفة مصادفة إلى أن حقق تثبيتا مطلقا برعاية حكومة إسرائيل. ونعم، هو يهاجم مع ما بدا كقضيب حديد. ولا، محظور إطلاق النار على من لا يهدد.
معاريف