التصعيد الأميركي ضد روسيا
غالب قنديل
توحي جميع الأجواء بلهيب ساخن يلفح الوجوه في موسكو وواشنطن المستغرقتين في كمية وافرة من التناقضات والتجاذبات الاقتصادية والسياسية والأمنية على الصعيد الكوني وحيث تشهد الولايات المتحدة موجة من الجنون الإمبراطوري الذي يعبر عن نفسه باستراتيجيتي إدارة ترامب الأمنية والعسكرية اللتين وصفتا روسيا بالعدو رقم واحد إلى جانب الصين مع التصنيف العدائي المميز لكل من إيران وكوريا.
التوتر والصراع التناحري هو ما يحكم علاقة القوتين الأعظم في جميع الملفات من اوكرانيا إلى التجاذب حول اوروبا الشرقية ودول حلف وارسو السابقة وكوريا وإيران وأفريقيا وجميع ملفات الطاقة العالمية وفي هذا المناخ يتصاعد التوتر بين القطبين بقوة حول سورية خلافا لموجات الهلوسة والهذيان التي شاعت سابقا عن تفاهمات افتراضية بين روسيا والولايات المتحدة في سورية وحولها وطغت معها خيالات التقاسم ورسم الخطوط التي يعممها مستنسخو التسويات السابقة وكذلك متورطون في الحملة الأميركية لإخضاع الدولة الوطنية السورية وتكسيرها منذ سبع سنوات.
الأساس المادي لهذا الصراع التناحري هو تماثل المصالح والبنى الاقتصادية القاعدية للإمبراطوريتين الأميركية والروسية والاختلاف في مقاربة الواقع العالمي المشحون بالحروب والمخاطر والصراعات التي تمتد فيها الأصابع الأميركية مباشرة و”من الخلف” بدوافع تثبيت الهيمنة الأحادية على العالم الذي تتصوره موسكو مكانا مناسبا لمساكنة سلمية توالف بين المصالح المشتركة بمضمون إيجابي وفي ظل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لن يشق طريقه إلا على انقاض ما انشاته الإمبراطورية الأميركية بالقوة من سوابق مشينة باستيلائها على الأمم المتحدة كليا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أعلنته انتصارا لها في الحرب الباردة السابقة والمفارقة ان واشنطن تواجه اليوم منافسة ضارية من خصم رأسمالي بات شريكا ناشطا وقويا في الأسواق العالمية للطاقة والسلاح تماما كما هي الولايات المتحدة وهو يتقدم بسرعة ويتكامل مع الصين ومجموعة البريكس وإيران ومنتدى شانغهاي ويطل من سورية بكامل قدراته وديناميكتيه اللافتة.
منذ عهد باراك اوباما واللقاءات الأميركية الروسية العاثرة لم يستطع المراهنون على التفاهمات ان يقدموا أي مؤشر واقعي للدلالة عليها في ظل النهج الأميركي العدائي والاستفزازي لدرجة فتح أبواب الوعيد بحرب كونية كبرى بل إن قسما من النخبة الأميركية الحاكمة يستثمر في موجات التصعيد لإطلاق الترويج لحملات غايتها تيسير عقود مغرية لمجمع احتكارات صناعة السلاح الأميركي محورها تحديث الترسانة النووية وإحياء مشاريع ضخمة كحرب النجوم في إطار سباق التسلح الجديد مع روسيا التي قدمت من سورية مشهدا ميدانيا ساطعا عن التحديث التي أجرته لترسانتها العسكرية والصاروخية ولقواتها الجوفضائية والبحرية التي أبهرت العالم في دقة ما قامت به للقضاء على تجمعات داعش وبالدعم النوعي الذي قدمته للجيش العربي السوري.
شيطنة روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين باتت الشغل الشاغل للإعلام الأميركي ولمراكز الدراسات والأبحاث وجميع المؤشرات تدل على صدور أمر عمليات إلى النخبة الإمبراطورية في واشنطن بمن فيها مجموعة الساخطين على لا عقلانية دونالد ترامب بحيث تراصف الجميع معا في استهداف فلاديمير بوتين وتبني سياسات تصعيدية ضد روسيا في جميع المجالات والدعوة إلى فرض المزيد من العقوبات عليها وبلورة رأي عام أميركي جاهز للتصدي لأي اعتراض في الإدارة أو الكونغرس على مواصلة هذا النهج الذي دشنته إدارة اوباما في السابق وتابعته الإدارة الحالية بصورة أشد وضوحا وقسوة بفضل الجنرالات الذي يحيطون بالرئيس ترامب ويحكمون قبضتهم على مفاصل القرار في البيت الأبيض.
في هذا السياق نفسه نشر رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس مقالا عن الحرب الباردة الجديدة وهو الشخصية الدبلوماسية والباحث المعروف باتزانه منذ دعوته المبكرة للخروج من العراق وقد ختم هاس بحثه عن الصراع مع روسيا بتوصيات توحي بانضمامه إلى صقور اليمين الجمهوري عبر دعوته إلى توسيع نطاق العقوبات الاقتصادية والتصعيد السياسي والسعي لاستمالة القوى الروسية المناوئة للرئيس فلاديمير بوتين والتدخل في الشؤون الروسية الداخلية.
يسود نهج المجابهة والصراع في الحرب الباردة الجديدة ومناسبة الانتخابات الرئاسية الروسية سوف تشهد على الأرجح تسارعا في العدائية الأميركية خلال الأسابيع المقبلة من حيث اتخاذ جميع المبادرات السياسية والاقتصادية والعسكرية الاستفزازية ضد روسيا وتتأهب الولايات المتحدة لشن اوسع حملة لشيطنة الرئيس بوتين وعرقلة إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة عبر كمية من الملفات الأميركية المفبركة عن القمع والفساد واحتكار السلطة والثروة في روسيا ومن المؤكد ان الاستخبارات الأميركية تنشط بقوة لتحريك من جندتهم في روسيا منذ نهاية العهد السوفيتي ولا سيما في حقبة رئاسة بوريس يلتسين التي شهدت انفلاشا اميركيا في اختراق المجتمع الروسي واصطياد السياسيين وقادة الأحزاب ورجال الأعمال الذين أحكم ربطهم بشبكة من المصالح المالية والاقتصادية المغرية بمؤازرة المجموعات الصهيونية الروسية الناشطة.