الانتخابات اللبنانية… والفرصة المتاحة لتحالف المقاومة والقوى الوطنية لتحقيق التغيير: حسن حردان
المعركة الانتخابية التي ازداد أوارها استعداداً لإجراء عمليات الاقتراع في 6 أيار المقبل، تشكّل مفصلاً هاماً في مسار الحياة السياسية اللبنانية، وفي تاريخ لبنان، لما ينتظر أن تتمخض عنه من نتائج تحدّد سياسات لبنان الداخلية والخارجية، وبالتالي موقع لبنان في سياق الصراع المحتدم في المنطقة .
لا شك في أن هناك ثلاثة عوامل توفر فرصة كبيرة لتحالف القوى الوطنية والمقاومة لتحقيق فوز هامّ يمكنه من الحصول على أغلبية مريحة في البرلمان المقبل الذي سيُعاد على أساس التوازنات الجديدة فيه تشكيل السلطة. وهذه العوامل تتجلّى في الآتي:
أولاً: تبدّل موازين القوى الإقليمية والمحلية لمصلحة تحالف المقاومة والقوى الوطنية… من المعروف أنه منذ الغزو الأميركي للعراق وما أعقبه من تدبير المحور الأميركي الغربي الصهيوني جريمة اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري لإشعال الفتنة في وجه المقاومة وسورية، ومن ثم تنفيذ العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006 بأمر أميركي، كان هدفه سحق المقاومة وتغيير خريطة المنطقة بما يمكن الولايات المتحدة الأميركية من تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشّرت به وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس خلال الحرب، وتصفية القضية الفلسطينية والسيطرة على ثروات العرب، لا سيما النفط والغاز. غير أنّ واشنطن وتل أبيب فشلتا في تحقيق هدفهما بإشعال الفتنة، وأخفقتا في سحق المقاومة واضطرت واشنطن إلى الانسحاب من العراق تحت جنح الظلام من دون القدرة على بلوغ الهدف الذي جرى من أجله غزو العراق واغتيال الحريري وشنّ حرب 2006، لكن واشنطن لم تستسلم للفشل وعملت هي وتل أبيب وأعوانهما في المنطقة على التحضير لشنّ الحرب الإرهابية الكونية على سورية لإسقاطها في شباك المشروع الأميركي وعزل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقصم ظهر المقاومة والعمل على الإخلال في موازين القوى في لبنان لمصلحة القوى الموالية لأميركا للعودة إلى الانقضاض على المقاومة بالتعاون مع كيان العدو الصهيوني والتخلص منها وتحويل لبنان نهائياً إلى محمية أميركية صهيونية. غير أنّ نجاح سورية في الصمود ومن ثم الانتقال إلى الهجوم بدعم من حلفائها في المقاومة وروسيا وتطهير معظم المناطق التي كان يسيطر عليها الإرهابيون وإلحاق الهزيمة بداعش في معاقله الأساسية وبلوغ الحرب ضدّ الإرهاب مرحلتها الأخيرة، أسقط آخر أوراق واشنطن وتل أبيب التي كانت مخبّأة وأحدث تحوّلاً استراتيجياً في المنطقة والعالم لمصلحة الدول والقوى المقاومة للهيمنة الاستعمارية والاحتلال والإرهاب المصنّع أميركياً.
ثانياً: سقوط رهانات قوى 14 آذار وتصدّعها وتراجع شعبيتها… إنّ فشل الحرب الإرهابية في سورية واقتراب سورية ومحور المقاومة من تحقيق النصر النهائي أدّى إلى توجيه صفعة قوية وضربة موجعة إلى قوى 14 آذار وسقوط رهاناتها على سقوط سورية لاستعادة زمام المبادرة في الداخل، وكان من نتيجة ذلك أن أصيبت هذه القوى بإحباط ويأس فيما بدأت صفوفها تتصدّع، مما أثر سلباً على شعبيتها، لا سيما بعد أن انتقلت الأزمة إلى داخل الدول التي تدعمها وبالتحديد المملكة السعودية بفعل غرقها في حرب استنزاف كبيرة في اليمن، وفشلها في تحقيق أهدافها منها، وبالتالي تبدّل أولوياتها. وقد زاد من مأزق السعودية وحلفائها في لبنان إقدام الرياض على احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري وإجباره على تقديم استقالته، ومن ثم اضطرار السعودية إلى الإفراج عنه بفعل الموقف الرسمي والوطني اللبناني الذي قطع الطريق على الرياض في تفجير الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان في وجه المقاومة، وبفعل تحرك واشنطن وباريس للعمل على إطلاق الحريري لاحتواء التداعيات السلبية على نفوذهما في لبنان. غير أنّ ذلك أدّى إلى توجيه صفعة قوية للسعودية وأحدث شرخاً في علاقتها مع تيار المستقبل ركيزتها الأساسية في لبنان، وأدّى إلى التسبّب بحصول المزيد من التصدّع والانقسام داخل تيار المستقبل من جهة، وبينه وبين بعض الشخصيات المدعومة سعودياً من جهة ثانية، وبين المستقبل وحلفائه من قوى 14 آذار خصوصاً حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب من جهة ثالثة، وهو ما عبّر عنه بوضوح في مهرجان ذكرى اغتيال الحريري في 14 شباط الحالي في «البيال»، حيث انسحب من المهرجان ممثلو «الكتائب» فيما لم توجّه دعوة إلى منسق 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، في وقت شنّ الرئيس سعد الحريري هجوماً ضدّ كلّ من خذله ووقف ضدّه في محنته خلال احتجازه في السعودية… وسعى إلى وراثته.
ثالثاً: أما العامل الثالث فهو يتجلى في انّ انتصار سورية ومحور المقاومة أدّى إلى ترجيح خيار انتخاب الرئيس ميشال عون وسنّ قانون جديد للانتخابات يعتمد النسبية مع الصوت التفصيلي في القضاء، مما أتاح الفرصة لتمثيل القوى الوطنية وإضعاف العديد من الكتل النيابية الكبيرة التي نشأت في ظلّ قانون أكثري فُصّل على قياسها، لا سيما كتل تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية… فالانتخابات سوف تؤدّي إلى تمثيل جميع مَن له حيثية شعبية، لكن كلّ حسب ما يمثل من نسبة أصوات يحصل عليها في صناديق الاقتراع.
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ الفرصة متاحة للقوى الوطنية والمقاومة للحصول على الأغلبية في البرلمان المقبل، لكن شرط أن تحسن إدارة المعركة وتشكيل التحالفات بينها في جميع الدوائر لترجيح فوز مَن يملك الفرصة في كلّ دائرة من الدوائر، مما يتطلب موضوعية في اختيار مرشحي القوى الوطنية بعيداً عن الـ»أنا».
إنّ ضمان نجاح تحالف القوى الوطنية والمقاومة في كسر احتكار التمثيل الطائفي والمذهبي والحصول على الأغلبية، إنما يكمن في الاتفاق على تشكيل لوائح تضمّ مرشحين يملكون فرصة الفوز في المعركة الانتخابية، والتي تتحقق من خلال العمل على أن تصبّ الأصوات التفضيلية لمصلحتهم.
(البناء)