ما العمل إذا منعت «إسرائيل» لبنان من استخراج نفطه؟: د. عصام نعمان
تبادل لبنان أخيراً وثائق عقود التنقيب عن النفط والغاز مع ثلاث شركات عالمية: الفرنسية «توتال» والإيطالية «ايني» والروسية «نوفاتيك». أعمال التنقيب لن تبدأ قبل العام المقبل. غير أنّ ثمة خشية من ألاّ تبدأ أبداً بسبب اندلاع حربٍ محتملة بين لبنان و«إسرائيل». لماذا؟ لأنّ «إسرائيل» تدّعي أنّ القطاع Block رقم 9 من المياه الإقليمية اللبنانية ملكها، وقد تلجأ الى القوة لمنع الشركات المتعاقدة مع لبنان من التنقيب. ماذا يحدث إذا تجاهل لبنان تهديدات «إسرائيل» وأوعز الى الشركات المتعاقدة بمباشرة أعمال التنقيب بلا إبطاء؟
ثمة احتمالات عدّة:
ـ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري اتفقوا على رفض التهديدات الإسرائيلية وكرّسوا موقفهم الصلب بقرار حاسم للمجلس الأعلى للدفاع يقضي بمواجهة أيّ خرقٍ يمسّ سيادة البلاد براً أو بحراً. وكان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكد مراراً انّ المقاومة ستردّ بالقوة على «إسرائيل» اذا حاولت منع لبنان من ممارسة حقوقه السيادية في مياهه الإقليمية، وأعاد تأكيد هذا الموقف أمس. هل يُعقل أن تستخدم «إسرائيل» القوة لوقف أعمال التنقيب في المياه الإقليمية اللبنانية معرّضةً للتدمير منشآتها النفطية القائمة على بعد أمتار معدودة من البلوك 9 اللبناني؟
ـ يرجّح فريق من المراقبين أنّ «إسرائيل» ستمتنع عن استخدام القوة ليس لتفادي تعريض منشآتها النفطية للتدمير فحسب بل لحرصها أيضاً على تفادي صدام سياسي مباشر وربما عسكري غير مباشر مع روسيا لكون شركة «نوفاتيك» العاملة في منطقة البلوك 9 روسية الجنسية.
ـ فريق آخر من المراقبين يرى أنّ «إسرائيل» تهدّد باستخدام القوة للضغط على لبنان من أجل حمله على القبول بشكلٍ من أشكال التفاوض معها بغية التوصل إلى تسوية بشأن ملكية البلوك 9. لكن، ماذا لو رفض لبنان التفاوض؟
ـ لتفادي مضاعفات عسكرية تؤذي «إسرائيل» في هذه الآونة، ولا سيما بعد صدامها العسكري الأخير مع سورية وإسقاط طائرة متطوّرة لها من طراز أف ـ 16، سارعت واشنطن الى إيفاد مساعد وزير خارجيتها دايفيد سترفيلد إلى بيروت مستبقاً وزيره ريكس تيلرسون بغية التمهيد لزيارته بإزالة العقبات وتلطيف الحساسيات. ساترفيلد قدّم للمسؤولين اللبنانيين رشوةً وأطلق تهديداً. الرشوة تمثّلت بتأكيدٍ مفاده أنّ «إسرائيل» لن تبني جدارها الفاصل بينها وبين لبنان على النقاط الـ 13 المتنازع عليها في الخط الأزرق المحاذي لحدود لبنان مع فلسطين المحتلة، مقترحاً تسوية النزاع بالتفاوض مع «إسرائيل» من خلال تبادلٍ للأراضي معها. التهديد تمثّل بتحذيرٍ بأنّ «إسرائيل» لن تتوانى عن استخدام القوة إذا رفض لبنان التفاوض وباشر عمليات التنقيب.
ـ المسؤولون اللبنانيون تجاهلوا الرشوة ورفضوا التهديد. قالوا لساترفيلد إنّ «إسرائيل» لا تفي بالتزاماتها ووعودها ولا تنفذ قرارات الأمم المتحدة، لا سيما أنّ أعمال بناء الجدار الفاصل ما زالت ناشطة وما من شيء يضمن عدم تعدّيها على النقاط المتنازع عليها، خاصةً تلك القريبة من الناقورة على شط البحر المتوسط وما يمكن أن ينجم عن ذلك من تداعيات بالنسبة الى حدود البلوك 9 في المياه الإقليمية. أما رفض التهديدات فمردّه إلى ترسمل لبنان على نجاح سورية في كسر هيبة سلاح الجو الإسرائيلي من جهة ووثوقه بقدرة جيشه والمقاومة على التصدّي للتعدّي الإسرائيلي أياً كان حجمه.
ـ تيلرسون في اجتماعه الى الرؤساء الثلاثة ركّز على ضرورة وقف أنشطة حزب الله وسحب مقاتليه من سورية، متبنّياً مقولات ساترفيلد بشأن مسألتي الجدار الفاصل والنزاع حول البلوك 9، وداعياً الى التهدئة ومعاودة التفاوض مع «إسرائيل».
ـ تهدئة الخلاف حول بناء الجدار الفاصل وملكية البلوك 9 قد يجمّد النزاع بعض الوقت، لكنه لا ينهيه. بالعكس، قد تتسبّب أية خطوة إسرائيلية عدائية في البر أو البحر باندلاع الحرب بالنظر إلى الحساسية السائدة بين كِلا الطرفين من جهة وتصميم سورية وحلفائها على ردّ الصاع صاعين إذا حاولت «إسرائيل» التعدّي على أيّ من حلفائها من جهة أخرى.
ـ تتردّد في الأوساط الدبلوماسية القريبة من الأميركيين كما من المعادية لهم تكهّنات وتصوّرات متعدّدة للخروج من الأزمة او لتهدئتها. ثمّة من يعتقد انّ واشنطن ستطالب موسكو بالعمل من أجل تفادي زعزعة الاستقرار في المنطقة وذلك بحمل شركة «نوفاتيك» الروسية على وقف عملياتها في منطقة بلوك 9 تجنّباً لاندلاع صدامٍ عسكري. آخرون يعتقدون انّ إيران ستضغط، في المقابل، على روسيا لرفض المقاربة الأميركية المريبة وأنّ استجابة موسكو مرجّحة في هذا السبيل بدليل أنها وافقت، بادئ الأمر، على السماح لشركة «نوفاتيك» بالتعاقد مع الحكومة اللبنانية رغم علمها بالمخاطر التي تكتنف عمليات التنقيب وتهديدات «إسرائيل» ذات الصلة.
ـ ثمة مَن يعتقد أيضاً انه لا يمكن معالجة النزاع اللبناني – الإسرائيلي المحتدم بمعزل عن الصراع الأكبر المتأجّج حالياً بين دول محور المقاومة من جهة «وإسرائيل» وأميركا من جهة أخرى، وأنّ الاحتمال الأرجح هو متابعة لبنان عمليات التنقيب متجاهلاً تهديدات «إسرائيل» لتقديره شأن حلفائه أنّ «إسرائيل» لن تلجأ الى استخدام القوة تفادياً لحربٍ مكلفة تعرف سلفاً أنها غير قادرة على كسبها في هذه المرحلة.
ـ إلى ذلك، ثمة من يقترح مقاربة أخرى متوازنة في رأيه قوامها نقل القضية الى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار مزدوج: منع «إسرائيل» من بناء الجدار الفاصل على النقاط المتنازع عليها في الخط الأزرق وذلك تحت رقابة القوات الدولية «يونيفيل»، ومطالبة لبنان بتأجيل تنفيذ عمليات التنقيب عن النفط والغاز في منطقة البلوك 9 لمدة سنتين بانتظار إجراء تحقيق عملاني من قبل الأمم المتحدة لترسيم حدود المياه الإقليمية بين لبنان و«إسرائيل» على أن يرافق هذه العملية قيام لجنة فنية أممية بمراقبة عمليات استخراج النفط والغاز في منطقة التنقيب الإسرائيلية للحؤول دون سطوها من الباطن على مخزون لبنان من النفط والغاز في أعماق البلوك 9.
بهذا التدبير العملاني يجري شراء الوقت بأمل التوافق في الأمم المتحدة على إيجاد مخرج من الأزمة المحتدمة بين لبنان و«إسرائيل».
تقديري الشخصي أنّ «إسرائيل» لن تتخلى عن مطامعها وعدوانيّتها. في المقابل، لبنان ومعه محور المقاومة لن يتخلى عن حقوقه وسيواجه التعدّي بالتصدّي، ويكسب.
(البناء)