ردعاً..لا.. ردّاً !! تأمّلات في ليلة( الـ أف 16) رفعت سيد أحمد
تأتي أهمية قوّة الرد السوري والمُتمثّل في إسقاط درّة تاج القوات الجوّية الإسرائيلية (ال أف 16) في أن إسرائيل كانت ومعها الولايات المتحدة قد استمرأت العدوان على سوريا خلال السنوات السابقة من دون أن تتلقى الرد المناسب لإجرامها ، وكان رد إسقاط ال أف 16، يعني أن زمن الصمت أو الرد الهزيل قد ولّى، وإن ما هو قادِم لن يكون أقل من الـ أف 16.
ربما كان أدق وأجمل بل وأوفى ما قيل ملخصاً دلالة إسقاط الصواريخ السورية لطائرة ال(أف 16 ) الإسرائيلية فجر السبت (18/2/2012) هو ما عنوَنت به قناة (الميادين ) تقديرها السياسي للحدث في أقل عدد من الكلمات واصِفة الرد السوري بأنه (ردعاً …لا ..رداً)، كنت وملايين غيري نشاهد القناة التي أبهرت المشاهدين صباح السبت وبعد الحدث مباشرة ، بمن فيهم الإسرائيليين أنفسهم بالتغطية الحيّة والمتنوّعة المصادر والسريعة الإيقاع فضلاّ عن قوّة التأثير ، ما دفع الفضائيات الإسرائيلية إلى النقل المباشر عنها ، لقد كنت مثل آلاف المشاهدين غيري يتابع الحدث، فإذا بتقدير الموقف الذي قدّمته ( الميادين) والذي شاركت به ربما بطريقة غير مباشرة ومن دون أن تقصد في المعركة الدائرة مع العدو، فكانت أحد أسباب تراجعه عن عدوان جديد كان يعتزمه ، خاصة بعد أن حمل (تقدير الموقف السياسي ) رسائل مهمة ضمنية شديدة الذكاء والقوّة ، يبدو أن العدو التقطها وفهمها…فتراجع تدريجاً وفهم عبر (الميادين ) أن الأمر لن يكون بعد إسقاط (ال أف 16 ) نزهة بل حرباً مدمّرة له هو أولاً قبل الآخرين …على أية حال إن دور( الميادين ) القومي والمقاوِم – بلا مُجاملة – يحتاج إلى تحية مُضاعَفة وإلى وقفات تحليلية ليس هنا مقامها .. فقط نلفت النظر إلى دلالة عنوان تقديرها السياسي ورسائله المهمة .. والذي منه ننطلق إلى التحليل ونسجّل هذه التأمّلات في حادثة إسقاط ال أف 16 ودلالاتها:
أولاً: تأتي أهمية قوّة الرد السوري والمُتمثّل في إسقاط درّة تاج القوات الجوّية الإسرائيلية (ال أف 16 ) في أن إسرائيل كانت ومعها الولايات المتحدة قد استمرأت العدوان على سوريا خلال السنوات السابقة من دون أن تتلقى الرد المناسب لإجرامها ، وكان رد إسقاط ال أف 16، يعني أن زمن الصمت أو الرد الهزيل قد ولّى، وإن ما هو قادِم لن يكون أقل من ال أف 16، ماهو قادِم سيدخل في إطار سياسة الردع وليس في إطار سياسات الرد، الردع لسياسة عدوانية استمرأت الصبر السوري وردّات الفعل المحدودة ، وآن لها الآن أن تردع وبقوّة، وقد يشكّك البعض- من أصدقاء إسرائيل من المُطبّعين في بلادنا- في عدوانية إسرائيل وأنها في كل اعتداءتها على سوريا كانت تدافع عن نفسها كما ذهب بعض المُتصهينين العرب في تفسير الحادثة الأخيرة.
ثانياً: لقد كان لافتاً للمراقب هذة التغطية الضعيفة وإن شئنا الدقّة (شديد الجهل ) لبعض وسائل الإعلام العربي لدلالات إسقاط ال أف16 وتأثيرها على مستقبل المواجهات الإسرائيلية -العربية خاصة مع حزب الله والجيش العربي السوري ، إلى الحد الذي كان بعضها -ومثل الإعلام المصري المقروء والمرئي – كان ينقل من دون تخل عن وكالات أنباء أميركية وإسرائلية وبدلاً من أن يقول (إسقاط ال أف 16 ودلالاته ) إذ بها تكتب بجهل ونقل كربوني عن وكالات الأنباء (إسرائيل تدكّ مواقع سورية )، هذا في الوقت الذي كانت فيه الصحافة الدولية تحلّل وتبحث في الخبر الأهم وهو إسقاط ال أف 16،، بل أن الإعلام الإسرائيلي كان أكثر مهنية وعمقاً من إعلامنا العربي واهتم بجوهر الخبر وهو (إسقاط الطائرة ) وليس بالهجمات الإسرائيلية والتي صارت من كثرة تكرارها حدثاً عادياً في سياق العدوان الإسرائيلي المستمر على سوريا منذ سبع سنوات بالتنسيق والتخطيط مع الجماعات الإرهابية الداعشية؛ ولنتأمل نماذج ما قاله الإعلام الإسرائيلي فربما يتعلّم إعلامنا ويكون أكثر مهنية ويتجاوز دور الببغاء في نقل وتكرار كل ما تبّثه وكالات الأنباء الغربية من دون تمحيص وتحليل ، في البدايه هاهو أليكس فيشمان، محرّر الشؤون العسكرية في (يديعوت أحرونوت ) يقول : إنّ سوريا استخدمت لإسقاط المقاتلة الإسرائيليّة صواريخ من طراز “سام 5″، التي تُعتبر بدائيّة، مُقارنة بالدفاعات الأرضيّة والجويّة التي يمتلكها الجيش العربيّ السوريّ، والذي حصل عليها من روسيا، وتساءل: كيف لصاروخ من هذا الطراز الـ”بدائيّ” أنْ يتغلّب على طائرة أف16 الإسرائيليّة، دُرّة التاج لسلاح الجوّ، على حدّ وصفه، وهي المُقاتلة الحربيّة الأكثر تقدّماً في العالم، وتمتلك منظومات متطورّة للغاية ) وفي رأي مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس)، عاموس هارئيل، إنّه للمرّة الأولى تدخل إيران وإسرائيل في مواجهةٍ مباشرةٍ، مُشيراً إلى عدم وجود القوّة الدوليّة الكُبرى التي بإمكانها وقف التدهور إلى حرب الشمال الأولى ، وأكد إنّه حتى لو افترضنا أنّ واقعة يوم السبت ستنتهي من دون حربٍ جديدةٍ في الشمال، فإنّه يتحتّم على إسرائيل مُواجهة الواقع الجديد الذي نشأ ، والعمل على بناء استراتيجيّةٍ جديدةٍ )، وأما تسفي بارئيل، مُحلّل الشؤون العربيّة في (هآرتس)، فأكد أنّ يوم السبت (أي يوم إسقاط الطائرة ) هو علامة فارقة في تاريخ الصراع بين سوريا وإسرائيل، وقال إنّه مع إسقاط الطائرة الحربيّة الإسرائيليّة تغيّرت قواعد الاشتباك، ومِنَ اليوم فصاعداً، أصبحت حريّة تنقّل سلاح الجوّ الإسرائيليّ فوق الأجواء اللبنانيّة والسوريّة محدّدةً ومحفوفةً بالمخاطر، كما أكّد.
أمّا ناحوم بارنيع الخبير الأشهر في صحافة إسرائيل فقال: (منذ سنوات طويلة تدور الحرب الشرسة والقذرة بين إيران وإسرائيل، والدولتان حافظتا على إدارة الحرب من دون مُواجهةٍ مُباشرةٍ بينهما، ولكن، بعد إسقاط الطائرة تغيّر التاريخ).
تلك نماذج مما كتبته الصحافة الإسرائيلية …فهل تتعلّم صحافتنا العربية وتكون أكثر مهنية (ولن نقول عروبة !!) مما هي عليه اليوم؟
ثالثاً: إن الاعتداءات الإسرائيلية السابقة لم يكن يردعها الردود التقليدية وقت حدوثها، والتي ربما كان لسوريا ولحلفائها العذر فيها، نظراً لانشغالهم ولقرابة سبع سنوات بمحاربة الإرهاب الداعشى والمؤامرة الدولية الخليجية عليهم، لكنهم الآن وبعد أن أحرزوا انتصارات استراتيجية في أغلب الجبهات ،، وبدأ حلفهم (حلف المقاومة ) يلتقط الأنفاس، فإن الوسائل التقليدية في الرد على هكذا عدوان لم تعد تُجدي ولم تعد في حسبان سوريا وحلفها، بل إن سقفها في المواجهة للتهديد الإسرائيلي قد ارتفع، ومن هنا جاء قرار إسقاط ال أف 16 والذي اتخذ على أعلي مستوي سياسي لحلف المقاومة ، والمُتأمّل لبيان قائد غرفة حلفاء سوريا الصادر بعد الحادثة يخرج بهذه الدلالة المهمة ، وبأن ما هو قادم أخطر وأقوى، وبعد أن فنّد أكاذيب إسرائيل التي زعمت أن سوريا هي التي اعتدت عليها، قال نصاً:
(إن هذا العمل الذي قام به الكيان الصهيوني عمل إرهابي مُدان لن يتم السكوت عنه من الآن وصاعداً، وسيشهد أي اعتداء جديد رداً قاسياً وجدياً، يتناسب مع الوضعية الخاصة به)، ونفس المعنى كرّره بيان الحليف الأهم والأقوى اقليمياً – وجغرافياً – لسوريا ونقصد به حزب الله ، حيث أشاد الحزب في بيان له بيقظة الجيش السوري الذي تصدّى ببسالة للطائرات الإسرائيلية المُعادية وتمكّن من إسقاط مُقاتلة من طراز أف 16، مُعلناً بداية مرحلة استراتيجية جديدة تضع حداً لاستباحة الأجواء والأراضي السورية.
كذلك أكّد الحزب أن ( تطوّرات اليوم تعني بشكل قاطِع سقوط المُعادلات القديمة، مُجدّداً التأكيد على وقوف الحزب الثابت والقوي إلى جانب الشعب السوري في الدفاع عن أرضه وسيادته وحقوقه المشروعة).. ماذا يعني هذا أنه يعني ببساطة إننا أمام مرحلة جديدة في استراتيجية الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، مرحلة عمادها (كما قال عن حق نتانياهو ) إن سوريا قد (استعادت اليوم الثقة بالنفس أكثر)- والحق ما شهد به الأعداء – بعد سبع سنوات عِجاف تم فيها حرف البوصلة بعيداً عن اتجاهها الصحيح : اتجاه فلسطين!
رابعاً وأخيراً : لا بد من اليقظة وعدم الارتكان إلى نشوة النصر بإسقاط ال أف 16، فهذا العدو وحلفه ( الدولي والخليجي)، غادِر .. بطبعه، والمواجهة معه طويلة ومعقّدة ، وهى تحتاج إلى استراتيجية أشمل من قِبَل حلف المقاومة الذي يتمدّد وينتصر من موسكو إلى طهران وبيروت وغزّة ..على القاعدة الصلبة، دمشق، استرتيجية تنطلق من أن ليلة إسقاط ال أف 16 .. هي البداية في زمن المواجهة ل (ليالي الغدر الصهيوني ) وليس النهاية . ونحسب أن محور المقاومة يُدرك ذلك جيّداً، وسينتصر!