إسرائيل أهم من نتنياهو: ناحوم برنياع
أبدأ من النهاية: بعدما قالت الشرطة كلمتها في ملف 1000 وفي ملف 2000، لا مفر من استخلاص الاستنتاجات. على رئيس الوزراء تجميد نفسه إلى أن يتخذ المستشار القانوني للحكومة قراراته بالنسبة للوائح الاتهام. على ناشر «يديعوت أحرونوت» نوني موزس، التخلي في تلك الفترة الزمنية عن صلاحياته كمحرر مسؤول. هذا رأيي الشخصي بالطبع. لا يوجد في «يديعوت إحرونوت» رأي جماعي يُملى من عل. كرامة موزيس عزيزة في نظري، وكذا إنجازاته وكفاءاته ومساهماته في قوة الإعلام الحر في إسرائيل. قلبي معه على المستوى الشخصي. أتمنى له أن تزول السحابة عنه بسرعة. ولكن الصحيفة، كل صحيفة، أهم من صحافييها وأهم من مالكيها .
والدولة أهم من رئيس وزرائها. هذا ما قيل لدافيد بن غوريون، الأعظم منهم جميعا، في نهاية ولايته، وهذا ما ينبغي أن يقال في أذني بنيامين نتنياهو. فالخطاب الذي ألقاه أمس بعد نشر توصيات الشرطة كان عملا محسوبا خطابيا. هنا وهناك أخل نتنياهو بقول الحقيقة، ولكن هذا حتى ترامب يعرفه وليس في ذلك أي جديد.
المواجهة بين رواية الشرطة ورواية نتنياهو توجد في مكان آخر. أثناء ولايتيه الثالثة والرابعة شمّ نتنياهو هواء القمم. فقد شعر أن الحظ يلعب له والسماء هي الحدود. مسموح له وهو يستحقه. فقد بادر إلى سلسلة خطوات بالقوة ليس بينها وبين مصلحة الدولة أو الليكود أو اليمين أي شيء. فقد اعترف في خطابه أمس بأنه حل الكنيست وفرض على البلاد انتخابات باهظة الثمن بسبب نشرة كانت تتزلف لغروره. وقد أثار جلبة هائلة، لدرجة التهديد بانتخابات أخرى، بسبب قناة بث، قلة تشاهدها وتأثيرها هامشي. لم يفهم أحد، لن يفهم أحد، على ماذا ولماذا. هذان هما فقط مثالان من أصل قائمة طويلة.
كان نتنياهو في ولايتيه الأوليين رئيس وزراء. مع نهاية الولايات الثالثة أصبح ملكا، في نظر نفسه وفي نظر ناخبيه. والملك مسموح له.
في هذه الفترة وسع جدا الأذون التي أعطاها لنفسه للعمل في الشؤون المتعلقة به شخصيا. عندما يستجيب ميلتشن لمطالبه ويقدم له العطايا بمئات آلاف الشواكل فإنهما صديقان. وعندما يستجيب لاحتياجات ميلتشن ويدفع إلى الأمام بقانون يستهدف ضخ مئات الملايين إلى جيوبه أو يقنع وزير الخارجية الأمريكي لترتيب تأشيرة له، فإنه يعوض وكيلا إسرائيليا (مشوق أن نعرف وكيلا لماذا ولمن، كان مقدم العطية الثاني، جيمس بيكر). لم أصل بعد إلى قضية بيزك (ملف 4000)، الذي أشار إلى بنية مشابهة إن لم تكن أخطر: التدخل في قرارات مهنية من أجل مصالح تجارية لصديق شخصي، ومقابل واجب في مجال الإعلام.
تقول الشرطة: الصفقات التي عقدها نتنياهو، أو حاول عقدها كرئيس وزراء وكوزير اتصالات، لم تكن إلا فعل رشوة. يقول نتنياهو: ما تلقيته كان أشياء لا يؤبه لها، وما أردت أن أعطيه كان يستهدف إفادة الدولة وفي كل الأحوال لم يخرج إلى حيز التنفيذ. لم يكن شيء لأنه لم يخرج شيء.
الفجوة بين الفكرتين يجب أن تهم ليس فقط خبراء الجنايات. فالطرفان يضعان قيد الاختبار مكانة وقوة رئيس الوزراء في دولة ديمقراطية. نتنياهو يوسّع، الشرطة تضيّق. المستشار القانوني للحكومة، وبعده المحاكم، ستكون مطالبة بإن تقرر موقفا في مسألة دستورية.
تستدعي خلاصات التحقيقات بحثا في مسألة اخرى: طبيعة نتنياهو. ملف 2000 هو مثال مميز. فقد ادّعى نتنياهو في التحقيق معه بأن المفاوضات التي خاضها مع نوني موزيس كانت عرضا عابثا. فهو لم يكن يقصد تحقيق أي اتفاق. أما الشرطة فتدعي: نتنياهو يكذب. والدليل هو أنه قام بخطوات حقيقية نحو تحقيق الاتفاق.
الشرطة لا تعنى بالمسألة الجماهيرية. ومع ذلك، فعلى السؤال أن يطرح. ماذا يعني العرض العابث؟ هل أن سياسي يقوم بمفاوضات سرية لأهداف الغش، جدير بأن يكون رئيس وزراء في دولة قانون؟ متى يكون عرضه حقيقيا ومتى يكون عابثا؟
لا يوجد أي شيء مرفوض في المحادثات بين رئيس الوزراء وناشر صحيفة. لا يوجد أي شيء مرفوض في التفاهمات بين الطرفين. أحداث كهذه تحصل كل يوم، في كل دولة ديمقراطية. كانت الصفقة إشكالية: وعد الطرفان ما هو محظور عليهما أن يعدا به وما لم يعتزما تنفيذه. وكذا حقيقة أن الطرفين أجريا مفاوضات في فترة جعل فيها نتنياهو موزيس وحشا، عدوا للشعب، وضرب قسم كبير من الكتاب في «يديعوت أحرونوت» نتنياهو من دون رحمة. هذه المشكلة جماهيرية، وليست جنائية. لم يشرح الطرفان بعد دوافعهما للجمهور.
مسموح لنتنياهو أن يكافح في سبيل استمرار ولايته. مسموح له، رغم أنه عندما كان إيهود أولمرت في وضع مشابه، قال نتنياهو للجمهور شيئا معاكسا. ما هو محظور عليه هو أن يذر الرمال في عيون ناخبيه. لقد أشار المفتش العام إلى أن محافل معينة لاحقت ضباط الشرطة الذين حققوا في القضية. هو قال الحقيقة. أما نتنياهو فيدعي الآن بأن حقيقة أن المحققين عرفوا بأنهم يلاحقونهم خلقت لديهم رأيا مسبقا وعليه فهذا يحرمهم من حقهم في توصياتهم.
هذا عرض عابث، واختلاق نسخ من حملة ترامب ضد محققي القضية الروسية. في نهج نتنياهو، كل محقق يمكنه أن يحبط التحقيق ضده. كل ما نحتاجه هو إرسال أحد ما يلاحق المحققين، يكتب شيكا في صالح أحد المحققين، ينشر عنه فرية في شبكة اجتماعية.
نتنياهو لم يعرف. فهو لم يكن يعرف في أي مرة.
يديعوت