ما كشف عن نتنياهو ليس إلا قمة جبل الجليد: بن كسبيت
ثلاث مرات أوصت شرطة إسرائيل بتقديم بنيامين نتنياهو للمحاكمة في جرائم مختلفة. المرة الأولى في التسعينيات (قضية بار أون ـ حبرون)، المرة الثانية عام 2000 (عمادي والهدايا)، المرة الثالثة «بوظة الفستق» أمس، وهذه المرة عن الرشوة. ثلاثة أجهزة شرطة مختلفة، مع محققين مختلفين، مفتشين عامين آخرين تماما، رؤساء قسم تحقيقات متغيرين، ولا يزال، رئيس وزراء إسرائيل يقف أمام التوصيات، ينظر إليها من دون أن يرتعد صوته وهو يحاول أن يشكك في صدقية محققي الشرطة، فيما يحاول بناء ملف ضدهم، وتلويث التحقيق المهني، والنظيف والجذري ذي الصدقية، الذي استمر أكثر من سنتين وكشف صناعة الرشوة العائلية التي ازدهرت بين بلفور وقيساريا. وقد فعل هذا من دون أن يخجل .
يطرح السؤال كيف يتجرأ. كيف يتجرأ على روني ألشيخ، الرجل الذي كرس كل حياته لأمن الدولة، الرجل الذي هو نفسه عيّنه (في ظل التلميح بوعد رشوة خاصة به)، الرجل غير السياسي، المستوطن السابق الذي تربى في كريات أربع ويعد من القاعدة الأسطورية لبيبي كل حياته. كيف يتجرأ على توسيخ اللواء ميني إسحاقي، الذي أجل تقاعده واستنزف أفضل طاقاته في السنوات التي كان يفترض به فيها أن يلعب مع احفاده كي يكمل ملفات الوحل والنفايات هذه. كيف يتجرأ على التشكيك بضباط مثل كورش بارنور ورجاله، الذين يخدمون في الأذرع المختلفة من الوحدة العليا لاهف 433.
هل يؤمن حقا، رئيس وزرائنا، بأنه بعده الطوفان؟ وأننا لن نحتاج إلى هذه الشرطة في المستقبل؟ وأن ثقة الجمهور بالجسم المركزي المكلف بإنفاذ القانون في الدولة هو ملك مسجل في الطابو على اسم عائلة نتنياهو؟ يبدو أن نعم. هو يؤمن بذلك، وهناك غير قليل من الناس الذين يصدقونه.
الوحيد الذي اقترب من أسفل الدرك هذا مساء أمس، كان وزير السياحة يريف لفين. فقد غرد الرجل أمس شيئا كهذا: «انكشفت هذا المساء الخطوة الحقيرة لتنفيذ انقلاب سلطوي ضد إرادة الناخب. من العار أن يكون الشاهد المركزي ضد رئيس الوزراء نتنياهو هو السياسي يئير لبيد الذي يحاول منذ سنين استبداله في منصبه»، وما شابه وهلم جرا.
إذن هكذا: أولا، لبيد كان وزير المالية حين حاول نتنياهو تمديد «قانون ميلتشن». يحتمل أنه بتعابير لفين لبيد كان يفترض به «أن ينسى» الطلب الذي تلقاه من نتنياهو، أو مجرد يكذب في التحقيق، كما هو دارج. إذا كان هذا الملف مبنيا على لبيد، فأنا أيضا ما كنت لأشعر بالراحة. ولكن يوجد لشهادة لبيد إسناد في شهادات أخرى لكبار مسؤولي المالية، بحيث إن لفين يمكنه أن يكون هادئا.
أو لا: لأنه تبين في التحقيق الشرطي أن نتنياهو عقد في بيته لقاء عاجلا يوم الجمعة، قبل وقت قصير من دخول السبت، حين كان في ذروة قصة الغرام المحظورة مع نوني موزيس. عندها، عندما بحث نتنياهو عن السبل لمساعدة موزيس في تقييد «إسرائيل اليوم»، دعا سرا نائبين من مقربيه وطلب منهما تلطيف حدة معارضتهما الشديدة لمشروع القانون إياه الذي تقدم به إيتان كابل. أحد هذين النائبين كان، وتخمينكم صحيح، يريف لفين. وماذا قال هو في التحقيق؟
إذن هذا هو، لم يقل. فقد أصيب بداء النسيان ولم يتذكر اللقاء الذي دُعي إليه لدى نتنياهو، عشية السبت. ولم يتذكر ما قيل فيه. للأسف الشديد، تذكر آري هارو وبنيامين نتنياهو بالذات على نحو ممتاز ذاك اللقاء، بمن حضره وما مضامينه. هكذا بحيث أن لفين خرج سيئا جدا من هذه القصة، تقريبا مثلما خرج نتنياهو من قصة الضم والأمريكيين قبل يوم من ذلك. المهم هو أن ينزل باللائمة على لبيد.
بنيامين نتنياهو هو رجل كثير الكفاءات، ذكي بشكل استثنائي. رجل مع قدرات نادرة حقا. كيف لم يتعلم الدرس من قضية عمادي والهدايا؟ كيف لم يستوعب بأن هناك لحظات في حياة الإنسان يتعين عليه فيها النظر إلى مصيره ويمد يده إلى جيبه الخلفية ليسحب محفظته ويدفع عن شيء ما. كيف يحتمل أن يتورط المرة تلو الأخرى، مجددا، وهلمجرا، بالضبط في الأفعال ذاتها؟ كيف بعدما أُنقذ منها بأعجوبة في المرة الاولى، يواصل في المرة الثانية والثالثة، ومن يحصي.
وشيء آخر: ما انكشف في هذا التحقيق هو طرف الجبل الجليدي. لم يكن فميلتشن وباكر وحيدين. مثلهما كان لنتنياهو مليارديريون كثيرون، يهرعون للنداء، محملون بالهدايا وخيرات المتاع.
مليارديريون لبدلات، طائرات، مجوهرات، ألف وواحد خير متاع آخر. انكشف قسم من هذا في التحقيقات المختلفة (بيبي تورز)، قسم في أماكن أخرى، وقسم لم يكشف أبدا. ملفا 1000 و 2000 هما الطرف البعيد لجبل جليدي هائل.
شيء آخر يجب أن يشطب من القاموس: السيجار والشمبانيا. ملف 1000 هو ملف مليون شيكل. توريد جار للأغراض الاستهلاكية، بناء على الطلب، في مغلفات سوداء مكتومة، بناء على طلب السيدة. لا هدايا ولا أصدقاء. كانا يطلبان هذا التوريد على مدار الساعة، حتى عندما لم يكن ميلتشن في البلاد. فهو لم يصل إلى مدخل بابهما مع علبة متواضعة. السواقون خرجوا على فزع إلى المتاجر ونقلوا الإرساليات. في مرحلة معينة حتى ميلتشن الملياردير الثقيل، احتاج لشريك كي يحمل معه الحمل، وجنّد باكر. كل هذا كي يشبع الجوع الذي لا ينتهي ولا يسد، للعائلة الملكية. وإذا ما تأخرت لا سمح الله إرسالية ما أو حلية ما، فإنهم كانوا يسمعون منها أو منه.
لقد كان التحقيق جذريا. انكشف فيه ما لا يقل عن أربعة أشياء جاءت على سبيل الثواب منحها نتنياهو لميلتشن لقاء خيرات المتاع. قصة رتان طاطا، التي هي جزء من المقطع الموصوف في كتابي (نتنياهو)، على جهد نتنياهو للعمل على منطقة تجارية حرة في صالح ميلتشن وشريكه الهندي.
قصة «قانون ميلتشن» التي حاول نتنياهو العمل فيها على تمديد القانون الذي يساوي الملايين لميلتشن. قصة الفيزا وقصة سوق التلفزيون والوحدة بين «كيشت» و «ريشت». مرة أخرى انكشفت العورة بكامل عارها. اللقاءات الليلة التي كان يستدعى فيها شلومو («مومو») فيلبر إلى منزل ميلتشن، هناك يجلس أيضا رئيس الوزراء، الذي يتولى أيضا منصب وزير الاتصالات، والاثنان يمنحان ميلتشن مشورة ثابتة وينسجان معه المؤامرة الإعلامية الدولية. وضعيات الزبائن كلها من أفلام المافيا الإيطالية قليلة الميزانية. لا أعرف ما سيقرره في نهاية المطاف المستشار القانوني للحكومة، وما ستقرره المحاكم. أعرف أن نتنياهو أعاد تعريف مفهوم «لا شيء». فإذا كان هكذا يبدو لا شيء فكيف سيبدو الشيء؟
على نتنياهو وكحلون أن يصليا الآن للمطر. ماذا مطر، عاصفة، في السبت. من فوق بلفور، وإذا كان ممكنا، تحطيم سحابة. وزير المالية سيعود مع نتنياهو في القارب المتسرب نفسه.
في هذه اللحظة، يسحب نتنياهو الماء المتسلل إلى داخل القارب ليواصل الطوف. وكحلون يساعده. كحلون سيتوقف عن مساعدته وسيقفز إلى الماء فقط عندما يتبين أن القارب يوشك على الغرق وعندما سيتبين بأن المزيد من الماء يدخل إلى القارب.
هذا سيتبين فقط في الشارع، في الاستطلاعات، في الكتلة الحرجة التي يفترض أن تتراكم في رأس وقلب وبطن مواطني إسرائيل الذين لا يزالون يعتقدون بأن إسرائيل جديرة برئيس وزراء مستقيم. هكذا ببساطة. ليس عبقريا، ليس سخيا وليس وحشا. ببساطة مستقيم. هذا ممكن.
معاريف