حال الإتحاد وحال العالم بقلم: د.بثينة شعبان
في 30 كانون الثاني 2017 ألقى الرئيس دونالد ترامب الخطاب السنوي المسمّى حال الإتحاد، والذي يعني حال الأمة الأمريكية المؤلفة من إتحاد ولايات، وهو خطاب يلخص عادة الأحوال الداخلية، والخارجية في الولايات المتحدة كما ويشتمل على رؤيتها الاستراتيجية في عدد من المواضيع الحيوية التي تثير اهتمام العالم. في النصف الأول من الخطاب عكف ترامب على تمجيد الولايات المتحدة والأميركيين، وتبجح بعظمة كلّ ما يتحلّى به الأميركييون منذ روادهم الأوائل الذين هاجروا من أوربا وأبادوا سكان أمريكا عن بكرة أبيهم مردداً أنهم حققوا ذلك الحلم بالأرض الجديدة حتى لكأنك تشعر أنّ الأميركيين فوق مستوى البشر، وأنهم جبلوا من طينة لا يتمتع بها أحد سواهم، بل وكأنّ إبادة حضارة شعب أمريكا الأصلية وثقافتهم وإبادة ملايين البشر مدعاة للفخر والإعتزاز. ولنتخيل للحظات كم كانت حياة البشرية أغنى، وأكثر أمناً وسلاماً لو تمّ الاحتفاظ بكل تلك الحضارات والثقافات، والمعتقدات التي تمت إبادتها إبادة وحشية كاملة كي تبنى على أنقاضها الولايات المتحدة الأميركية التي هي أمريكية جغرافياً ولكنها مبنية على النزعة الأوربية الإستعمارية القائمة على شن الحروب ونهب الشعوب. وبما أنّ هذا الموضوع أصبح بحكم المنتهي فقد ركزّنا على ما جاء في الخطاب من نوايا وخطط لعلاقات الولايات المتحدة مع العالم وهي دائماً عدوانية، والوجهة الاستراتيجية العسكرية، والاقتصادية التي تنوي اتخاذها وهي دائماً تسعى لنهب الأمم الأخرى. فقد بشرّنا ترامب أنه سوف يعيد النظر بالسياسية الانفتاحية للولايات المتحدة، وبدلاً من إرساء أسس علاقات الأخوة والصداقة مع الجيران، فإنه سوف يبني جداراً على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وللتذكير فقط، فإن الكيان الصهيوني، هو أول من بدأ ببناء جدار عنصري لقضم الأرض الفلسطينية من جهة وعزل الفلسطينين عن أرضهم، ومدارسهم، وأهليهم من جهة أخرى.
ولابدّ من التأكيد أن السياسة الناجحة هي التي ترسي أسس المحبة، والسلام بين البشر وليست تلك التي تقوم على الاحتلال والإجرام، والإرهاب، وتعتقد أنّ العلاج هو في بناء جدران بين عنصر من البشر يمتلك أدوات القوة وآخرين مستضعفين، تم انتهاك حقوقهم وأبسط متطلبات حياتهم. وقد اعتبر ترامب بناء الجدار أحد ركائز خططه المستقبلية.كما اعتبر إيقاف أو تقنين منح الفيزا الأميريكية ركيزة ثانية من ركائز سياسته، أي انهاء السياسة التي كانت تتغنى بها الولايات المتحدة، وهي سياسة الباب المفتوح للعالم، والركيزة الثالثة هي منع استقدام الأقارب، والاقتصار على الزوج أو الزوجة، والولد، وكلّ هذه الإجراءات متبعة منذ سنين في الكيان الصهيوني الذي يحرم العائلة الفلسطينية من الأقارب، والأسرة الممتدة فيعيش بعض الفلسطينيين عمراً كاملاً في حسرة رؤية الأقارب، والمحبين. والأخطر من ذلك أنه عرض الولايات المتحدة وكأنها العرق النقي الذي يواجه، كما قال ترامب حرفياً “أنظمة لا شرعية، ومجموعات إرهابية، وأنظمة منافسة مثل الصين وروسيا التي تتحدى مصالحنا، واقتصادنا، وقيمنا. وفي مواجهة هذه الأخطار نعرف أنّ الضعف هو الطريق الأكيد للنزاع ولكنّ القوة العظيمة هي الطريق الأكيد للدفاع”. ولذلك دعا ترامب الكونغرس أنّ يموّل بشكل كامل الجيش الأميركي. إذا دققنا في الفقرة السابقة، والتي ترجمتها حرفياً من خطاب ترامب نلاحظ أنه اعتبر الصين وروسيا المنافستين للولايات المتحدة في صفوف الأنظمة اللاشرعية، والمجموعات الإرهابية مع أنّ العقيدة الرأسمالية تقوم على مبدأ المنافسة حيث يعتبرون المنافسة أساس الإبداع والتطوّر، فلماذا هو محرّم على الصين وروسيا أنّ ترتقيا على السلّم العالمي إلى وضع تنافسان فيه الولايات المتحدة؟ أو ليس من الطبيعي أن يكون لهاتين الدولتين العملاقين اقتصادهما وقيمهما أيضاً؟ ولماذا تفترض الولايات المتحدة أنّ قيمها هي التي يجب أن تسود، بينما تمتلك دول أخرى حضارة عمرها عشرات آلاف السنين ترسخت من خلالها قيم وأخلاقيات لهذه الشعوب مصدر فخر لهم، ومصدر غنى للعالم برمته. وفي الوقت الذي يتراجع فيه ترامب عن الاتفاق النووي مع إيران، رغم الضمانات أنها لا تنوي بناء قنبلة نووية، يدعو في خطابه إلى تحديث وإعادة بناء الطاقة النووية الأميركية، كما يغضّ الطرف دائماً عن الطاقة والصواريخ النووية الإسرائيلية.والمضحك المبكي هو حين يتحدث ترامب عن بطولات أميركية في مدينة الرقة السورية، ويعلن لمستمعيه ومشاهديه أن الرقة قد تحررت بينما حولتها القوات والقصف الأميركي إلى ركام وقتلت فيها الآلاف من المدنيين العزّل في جريمة حرب واضحة وموصوفة. والنقطة الوحيدة التي وجدت نفسي أتفق مع ترامب بها، هي حين دعا إلى قطع المساعدات عن الدول التي صوتت ضد الولايات المتحدة، بشأن نقل سفارتها إلى القدس، ذلك لأني أدرك أن هذه المساعدات قد خُلقت من أجل مصادرة الإرادة السياسية لهذه البلدان، ولذلك فإنّ قطع هذه المساعدات يحررّ بلداناً كثيرة من التبعية السياسية ويلزمها بالإعتماد على عملها، ومصادرها. لقد جمع ترامب بشكل هوليودي عناصر من الخونة المجرمين الذين مارسوا الإرهاب والتدمير والقتل في سورية، ومن الذين خانوا بلادهم في أفغانستان وكوريا الشمالية، وقدمّهم على أنهم نماذج للقيم الأميركية السامية والعمل على تحرير هذه البلدان من حكامها الظالمين. في الحقيقة خطاب حال الإتحاد هو مزيج بين حفل مكررّ يستخف بعقول الناس، ويحاول تسليتهم بتقارير وقصص قد قُلبت رأساً على عقب وبين عنصرية مقزّزة تمثّل قيمّ التطرف لذوي الرقاب الحمراء الإستعلائيين في الولايات المتحدة والذين يعتبرون أنفسهم كالصهاينة شعب الله المختار، والعرق النقي وأنهم فوق مستوى البشر في كل أنحاء العالم. وفي الاستنتاج لما قرأته وفهمته فإنّ الخشية هي على حال الولايات المتحدة الداخلي وعلى حال العالم ذي العلاقات المتشابكة مع الولايات المتحدة. خطاب غيرُ مطمئن على الإطلاق وجديرُ بأن يدُرس بجدّية كي نستقرأ الخطوات الأميركية القادمة والتي قد تكون خطيرة على أمريكا والعالم.