مأزق تركيا في عفرين: حميدي العبدالله
وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدفاً للعملية العسكرية الجديدة في شمال سورية هو احتلال عفرين. المقصود هنا ليس احتلال قرى وبلدات واقعة في قضاء عفرين وحدها، بل احتلال المدينة ذاتها، أيّ السيطرة على قضاء عفرين بكامله، وبالتالي وصل منطقة السيطرة التركية في جرابلس – الباب بمنطقة عفرين التي تريد تركيا من خلال السيطرة عليها خلق وضع ضاغط يدفع الولايات المتحدة لسحب وحدات الحماية الكردية من منطقة منبج، على الأقلّ كمرحلة أخرى من مراحل سيطرة تركيا على مقاطع واسعة من الحدود السورية – التركية .
لكن معارك الأسبوعين الماضيين أظهرت أنه دون تحقيق هذه الأهداف الكثير من العوائق التي سوف تجعل كلفة تحقيق هذه الأهداف باهظة للغاية، وقد لا يتمّ الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف.
بعد مرور أسبوعين لم تتقدّم القوات التركية والجماعات المسلحة السورية المرتبطة بها لأكثر من عمق 3 كيلو متر، وهو عادة عمق المرمى المباشر لكلّ أنواع المدفعية، ومثل هذا التقدّم لا يعني انهياراً لدفاعات الجبهة المستهدفة، بما يسهّل غزو المنطقة بكاملها والسيطرة عليها.
دون السيطرة على عفرين عقبتان على أردوغان اجتيازهما: العقبة الأولى، الاستعداد لحرب طويلة نسبياً قد تستمرّ أشهراً، وربما أكثر وسيسقط خلالها للجيش التركي مئات الجنود قتلى وجرحى، حتى الآن تجاوز عدد القتلى من الجيش التركي عشرة جنود وسيكون لهذه الخسائر المرتفعة تداعيات كثيرة على الداخل التركي وعلى الصراع بين المعارضة وحزب العدالة والتنمية، لا سيما أنّ السلطات التركية تقوم يومياً بحملات اعتقال واسعة على خلفية الاعتراض على السياسة التركية إزاء سورية، ولا سيما قيام القوات التركية بغزو منطقة عفرين. العقبة الثانية التي تواجه الغزو التركي لعفرين، إنّ السيطرة على هذه المنطقة وبسبب شراسة وقوة وإصرار المدافعين عنها، سيحوّل مدنها وقراها إلى خراب وسوف يسقط المئات وربما الآلاف جراء استخدام القدر المطلوب من القوة للسيطرة عليها، لأنّ سكان هذه المنطقة يرفضون ترك منازلهم في القرى والبلدات والمدن، وحتى ترك منازلهم في القرى الحدودية واللجوء إلى مدن وقرى أخرى كان في عفرين وليس إلى خارجها، ومن شأن ذلك أن يثير ردود فعل قوية على مستوى العالم لأنّ غالبية دول العالم لم تقتنع بحجج الرئيس التركي لغزو عفرين، بل إنّ هناك توتراً شديداً في علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين بسبب الموقف من أكراد سورية ومن شأن غزو عفرين وارتكاب مجازر جماعية بحق سكانها أن تزيد هذا التوتر وتخلق ضغوطاً على تركيا قد تصل إلى حدّ فرض عقوباتها عليها، وهذا تطوّر إذا حدث ستكون له عواقب وخيمة على تركيا لأنّ اقتصادها مرتبط بقوة بالاقتصاد الغربي.
بوضوح… تواجه تركيا مأزقاً جدياً في عفرين يختلف عن كلّ ما واجهته في سورية حتى الآن.