سوتشي انعطافة في العملية السياسية
غالب قنديل
شكل مؤتمر سوتشي انعطافة نوعية في مسار العملية السياسية السورية التي صممت الدولة الوطنية السورية وحلفاؤها على فتحها ورعايتها من اليوم الأول دون شروط مسبقة وجهدت دمشق ومعها موسكو وطهران منذ لقاءات جنيف الأولى لترك الباب مفتوحا امام أي جهة سورية تقبل الحوار الوطني وتنضم إلى جهود محاربة الإرهاب بمقدار ما واجهت الدولة السورية بذكاء وصبر تدخلات حلف العدوان لتخريب فرص الحوار وانحياز الأمم المتحدة إلى خصوم سورية بتوجيه اميركي وخروج الموفد الأممي الخاص عن دور الراعي النزيه مرات عديدة .
منذ البداية كانت الولايات المتحدة تفضل حصر الحوار بوفود المعارضة المعلبة التي قامت بتشكيلها ورعايتها بالشراكة مع دول العدوان وهي تضم أفرادا وجماعات تابعة للغرب وخصوصا للثلاثي الأميركي البريطاني الفرنسي إضافة إلى مخابرات تركيا والسعودية وقطر وقد بدا واضحا تحكم هذا السداسي الدولي الإقليمي ومن خلفه الكيان الصهيوني بمسار القتال على الأرض وإمساكه الخيوط السياسية لدرجة ارتباط تسمية الواجهات المعارضة واختيار رؤسائها وأعضائها بقرار وزير الخارجية الأميركي وشركائه في حلف العدوان على سورية.
جاء الحضور الواسع في أستانة ثمرة لمخاض سياسي طويل تخللته محطات عديدة بلورت صورة الجماعات الفاعلة سياسيا وميدانيا والتي يمكن للتفاهم بينها وبين الدولة الوطنية السورية ان يؤسس لوفاق وطني يطلق توحيد الجهود السورية في إعادة البناء والقضاء على الإرهاب وفي حماية استقلال الدولة وتثبيت سيادتها وتجديد مؤسساتها.
كان واضحا وبقوة حجم الذعر الذي أصاب الولايات المتحدة وشركاءها في حلف العدوان على سورية من حجم المشاركة في سوتشي وهذا ما حرك محاولات تخريب متعددة جرت قبل انعقاد المؤتمر الذي حضره اكثر من ألف وستمئة مندوب وقد فضحت المحاولات الأميركية صيغة الورقة المسربة من فيينا وكذلك انكشفت محاولة تركية مبطنة للتخريب بتحرك قوات أردوغان نحو عفرين والعيس وبتأخير مشاركة الفصائل التي تحركها تركيا والتي شاركت على مضض في المسار السياسي منذ أستانة.
لحظة الانعقاد فرضت نفسها على الجميع وحضر المتخلفون بينما ظلت متمترسة على رفضها للمؤتمر المجموعة التي تحركها المشيئة الأميركية السعودية رغم كونها لم تستثن من الدعوة لكن مشغليها طلبوا منها الاستنكاف فهمشوها وغيبوها ولذلك لم ينتقص غيابها من قوة تمثيل المؤتمر فقد دعيت رغم كونها دمية مفضوحة وهي اختارت إبعاد نفسها عن الحوار بتعليمات مشغليها.
تصرفت روسيا في المؤتمر بنزاهة الرعاية وهي أرغمت في الحصيلة واشنطن على استلحاق الحضور من خلال ديميستورا موفد الأمين العام للأمم المتحدة وهذا الاستلحاق ما كان يتم لولا استنتاج واشنطن ان العملية التي تنطق من سوتشي سوف تتواصل وترتب نتائج سياسية وقد تنعكس على ميزان القوى في ظل محاولات يائسة تقوم بها الولايات المتحدة لتثبيت احتلالها وللتحايل على تناقضات مستعصية بين شريكيها التركي والكردي.
ورقة سوتشي ونتائجه العملية ستؤسس لصفحة جديدة من الحوار الوطني السوري وهي فرصة ثمينة وعتبة ثابتة ومهمة في التأسيس لعملية سياسية شاملة ومفتوحة على إشراك من لديه الإرادة لضم الجهود في المسيرة الوطنية السورية ومما لاشك فيه ان هذا الإنجاز يحمل توقيع الدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد كما هو إنجاز لروسيا والرئيس بوتين وللحليف الإيراني وهو بالأصل ثمرة تضحيات جميع المدافعين عن سورية من السوريين والأشقاء والأصدقاء والشركاء الصادقين الذي جلبوا إلى الحوار بقوة التوازنات التي فرضوها كثيرا من الواهمين وفتحوا ببطولاتهم خطوط الحوار والاحتواء.