حرب اختيارية في لبنان: اليكس فيشمان
سلسلة الرسائل التي نقلتها إسرائيل علنًا في الأيام الأخيرة، لاسيما لحكومة لبنان، واللقاء بين نتنياهو وبوتين في موسكو أمس، لا تترك مجالا للشك: إسرائيل تقترب بخطوات كبرى إلى «حرب إختيارية». وبكلمات مغسولة أقل: حرب مبادرة في لبنان .
نشر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أمس الأول مقالا في مواقع معارضة لبنانية هدد فيها بأنه إذا سمح لبنان بإقامة مصانع صواريخ إيرانية، «فسنهاجمها بشكل دقيق». وأوضح أمس وزير الدفاع ليبرمان أن إسرائيل ستكون مصممة في هذا الشأن. والتصميم في مثل هذه الحالات معناه استخدام القوة.
وبالتوازي، في موسكو نشر الروس أمس صورة ظهر فيها رئيس شعبة الاستخبارات «امان»، السكرتير العسكري لرئيس الوزراء والملحق العسكري في موسكو وهما يُطلعان وزير الدفاع الروسي سيرجيه شويغو قبل الدخول إلى مكتب بوتين. لا شيء من هذا مصادفة. كل شيء مخطط له. إسرائيل تمارس ضغطا مركزا في محاولة لردع الإيرانيين عن إقامة مصانع صواريخ دقيقة في سوريا وفي لبنان. وبالتالي فإن الناطق العسكري الإسرائيلي يتوجه إلى سكان لبنان، ليبرمان يطبخ الرأي العام الإسرائيلي ونتنياهو يتوجه للروس كي يمارسوا نفوذهم.
في الجولة السابقة هذا نجح. في السنة الماضية قدرت إسرائيل أن الإيرانيين قاموا بمحاولة حقيقية لأن يقيموا في لبنان مصنعا لتركيب الصواريخ الدقيقة. وكان الهدف تجاوز القدرة الإسرائيلية على ضرب إرساليات السلاح من سوريا إلى لبنان. وحسب منشورات أجنبية حفر المصنع تحت الأرض، وإسرائيل على أي حال عثرت عليه.
ينبغي الافتراض أن استعراض القوة الإسرائيلية والرسائل السياسية أدت في حينه إلى إغلاق المشروع، وهو لا يزال في مهده، وإن كان معقولا الافتراض مما نشر أمس أن الأيرانيين لم يتخلوا ونقلوه إلى مكان آخر في لبنان. في 7 أيلول، حسب منشورات أجنبية، هاجم الجيش الإسرائيلي مصنعًا للصواريخ الدقيقة أقامه الإيرانيون في مصيف في سوريا، قرب مدينة حماة. وكان في إسرائيل إحساس بأن إيران فهمت التلميحات وخفضت مستوى الاهتمام في كل ما يتعلق ببناء المصانع التحت أرضية، ولا سيما في لبنان. يتبين أن لا.
يعاني الحرس الثوري وحزب الله من «الغرور»، ينعشهم الانتصار الساحق الذي حققوه، كما يشعرون، في سوريا، في العراق وفي اليمن. فهم لم يسموا فقط تهديد الناطق العسكري الإسرائيلي بأنه «هراء»، بل خلقوا تهديدا على إسرائيل في ضوء أعمال التحصينات التي تجري اليوم على حدود لبنان. فضلا عن أن التهديدات التي تطلقها إسرائيل في اتجاه لبنان، سوريا وإيران في مسألة مصانع الصواريخ تعود إلى فرع جد سلس في عقيدة الردع.
تتسلق إسرائيل شجرة عالية وتعرف مسبقا أنها إما ستنزلق عنها مع ذيل بين الساقين من دون أن تحقق شيئا او ستضطر إلى استخدام القوة. وفي حالة الهجوم في لبنان يدور الحديث عن يقين عال للخروج إلى حرب، إذ ان الاحتمال لردع العدو متدن. الردع الكلاسيكي هو حين تهدد أنت العدو ألا يضربك في أرضك. أما هنا فإسرائيل تطلب من العدو أن يمتنع عن الفعل في أرضه، وإلا فستضربه. من ناحية الشرعية الدُّولية ومن ناحية تأريخية، فإن احتمال أن يقبل مثل هذا التهديد في الأسرة الدُّولية ويدفع العدو إلى وقف العمل في أرضه صغير جدا.
وزير الدفاع على علم بالمنزلق السلس. عندما سئل أمس لِمَ لا تهاجم إسرائيل الآن وتدمر مصانع الصواريخ في لبنان أجاب بأنه يمكن العمل ليس فقط من خلال القصف؛ هناك روافع أخرى. قال: «الأمر الأخير الذي أريده هو الدخول إلى حرب لبنان ثالثة». لليبرمان يوجد ما يعول عليه. لإسرائيل يوجد اليوم أذنٌ صاغية في موسكو. يفهم الروس أن نتنياهو هو الزعيم الأخير في العالم الذي له علاقة طيبة أيضا مع بوتين ومع ترامب في الوقت نفسه؛ من ناحيتهما هو أداة عمل حيوية مع الأمريكيين. ما بالك بإمكان استخدام تهديداته لتقليص مدى النفوذ الإيراني في المنطقة.
نظريًا يبدو هذا جيدًا. عمليًا، إذا واصل الإيرانيون حفر مصانع الصواريخ، ستعلق إسرائيل على الشجرة التي تسلقت عليها وسيتعين عليها اتخاذ القرار: فهل مصنعان ـ ثلاثة مصانع صواريخ في لبنان هي ذريعة لحرب مبادرة أم لا. هذه المعضلة يتعين على الحكومة أن تعرضها على الجمهور: حرب اختيارية أم العيش تحت تهديد محتدم للصواريخ الدقيقة.
يديعوت