أوهام النيل من الرئيس بري
غالب قنديل
كشفت الكلمة المسربة لرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل عن انزلاق خطير إلى رهانات تعاكس كليا منطق الشراكة الوطنية وتناقض إرادة التكيف مع طبيعة النظام السياسي التي بشر بها العماد ميشال عون منذ انتخابه رئيسا وتبنيه لمنطق المساكنة في قلب الشراكة الوطنية وللتعامل بمنهج الحواروالتفاهمات مع الاختلاف السياسي بين القوى والجهات اللبنانية المتنافرة.
التعابير الإلغائية في كلمة باسيل في تعرضه للرئيس نبيه بري تبدو في العمق اخطر من الشتيمة والإهانة المستنكرة التي تناول بها شخص رئيس مجلس النواب وزعيم حركة سياسية كبرى هي شريك إجباري لا يمكن حذفه من معادلة السلطة وتوازناتها بقوة ما يمثل شعبيا وسياسيا وبفعل ماتلتقي حوله ومعه من شبكة تحالفات لا يستطيع أي عاقل ان يتجاهل حجمها ووزنها.
هذه الإلغائية التي قد يطرب لها بعض جمهور المناصرين والمنافقين الطامحين هي في الواقع ورطة خطيرة تشج الرؤوس كما بينت التجارب اللبنانية فقد سبق ان انزلق في مثل هذا الرهان على تحجيم دور الرئيس نبيه بري او إخضاعه او الاستقواء عليه بالخارج العديد من الأطراف اللبنانية التي تعاقبت على السلطة السياسية منذ الطائف وتبين انها دفعت ثمن توهمها القدرة على شطب الرئيس نبيه بري وإخضاعه بذرائع مختلفة وبادعاءات واختراعات تهاوت سريعا ومني مطلقوها بالفشل الذريع.
حصل ذلك في عهدي الرئيسين الياس الهراوي واميل لحود وأشيع خلال عهد الرئيس الهراوي تعبير “الحكم المجلسي” خلال الحملات التي استهدفت الرئيس نبيه بري وثمة من سعى لتوريط الرئيس اميل لحود في معركة إلغائية ضد الرئيس نبيه بري تحت شعارات الإصلاح بينما كانت صيغة الحكم بعرابها ومدماكها غريبة عن أي إصلاح حقيقي ولم تكن يوما لأي من الذين ركبوا هذا الوهم حظوظ النجاح ولا أي مشروعية او حصانة في ادعاءاتهم بفعل الحصانة الشعبية والسياسية والمناعة الوطنية لموقع وزعامة رئيس حركة امل ولقوة تحالفاته العابرة للطوائف ونتيجة لقدرته على حراسة الثوابت الوطنية والميثاقية من موقعه الدستوري كرئيس لمجلس النواب .
لقد سعى الرئيس نبيه بري بكل صدق منذ انتخاب الرئيس ميشال عون لفتح صفحة جديدة بعد افتراق المعركة الانتخابية الرئاسية لكن اوهام البعض استمرت في تفريخ التوتر والاحتكاك المبطن برهان مبالغ به حول ضمانة دور حزب الله الحريص على التحالف مع التيار الوطني الحر والشريك المصيري للرئيس نبيه بري لكن لتلك الضمانة حدودا وقدرات تفترض جدية من الشريكين المتقابلين والحقيقة ان بعض المواقف التي صدرت عن الوزير جبران باسيل مؤخرا ولدت هواجس جدية عند جمهور حزب الله نفسه حول مستقبل العلاقة بالتيار وحرارة التحالف خصوصا ما يتعلق بالصراع مع العدو الصهيوني وفي كل مرة كانت تتم المعالجة سندا لموقف قوي ولا يتزحزح مبدئيا يتخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بوقفاته المشهودة التي نالت تنويها وثناءا من رئيس المجلس تباعا.
الجري خلف وهم النيل من مكانة بري وموقعه هو لهاث خلف سراب ومصدر الفشل الأول ان الرئيس بري كان على الدوام ومنذ انتخابه لرئاسة المجلس في مقدمة المدافعين عن مفهوم الشراكة وعن ضرورة تحصين الوفاق الوطني وهو لم يتبن موقفا متسلطا او مهيمنا على أي من شركاء الوطن وخصوصا اتجاه الفريق المسيحي بينما يصح ذلك الوصف مثلا على شركاء آخرين في الحكم يعرفهم جيدا من يدقق وهم تلطوا في تبرير أفعالهم خلف ما يصفونه بالوصاية السورية التي لم تكن سوى تدخلات سورية دبروها واستدرجوها لحماية مصالحهم مستخدمين صلاتهم الخارجية مع الولايات المتحدة والمملكة السعودية اللتين تفرضان اليوم وصاية على لبنان يعرف وزير الخارجية مفاعيلها ونتائجها المانعة للتقارب مع سورية وإيران والعراق.
جميع القوى السياسية الحية والرئيسية محكومة بالشراكة في هذا الوطن وثقافة التناحر مدمرة للجميع وقد اختبرت طويلا وبديلها ثقافة الشراكة وقبول الاختلاف اما الوصفة الطائفية البغيضة المسماة ” شد العصب ” فكانت وما تزال تبلغ بالواقعين في أسرها حدود الانتحار وهذا ما برهنت عليه التجارب المكلفة والمتكررة طيلة عقود.