حادثة السفارة في عمان… التملص أولاً والدفع المضاعف لاحقا: يوسي ميلمان
انثنت إسرائيل هذا الأسبوع أمام الأردن واضطرت أن تدفع تعويضات على حادثتين قتل فيها حراس إسرائيليون مواطنين أردنيين. لقد أصبح هذا الاستسلام نمطًا يكرر نفسه كل بضع سنوات: جهاز الأمن يفشل أمام المواطنين او الجنود من دول أخرى، تلك الدول تطلب الاعتذار والتعويض من إسرائيل، وهذه ترفض في البداية. ومثل شركات التأمين، فإن حكومة إسرائيل هي الأخرى تجر الأرجل، تحاول التسويف في الوقت وفي النهاية تتنازل وتدفع بفائدة مضاعفة. باختصار: يطلقون النار، يتجاهلون، ينفون وبعدها يدفعون الثمن. لقد سبق لهذا أن حصل خمس مرات، وفي ثلاث من الحالات كان رئيس الوزراء هو بنيامين نتنياهو .
في 8 حزيران 1967، في اليوم الرابع لحرب الأيام الستة، أغارت طائرات سلاح بالخطأ على سفينة التجسس الأمريكية ليبرتي، أمام شواطئ العريش في سيناء. وقتل في الغارة 34 ملاحا ورجال طاقم، وأصيب 171.
ادعت إسرائيل أنها اعتقدت أنها سفينة مصرية، ولكن الكثيرين في الولايات المتحدة رفضوا تصديق التفسير، وبالتأكيد ليس المصابون وأبناء عائلاتهم. وكلما تخندقت إسرائيل في موقفها هكذا تعاظمت نظريات المؤامرة، التي يتبناها غير قليلين حتى اليوم.
وبرغم كل لجان التحقيق في إسرائيل والوثائق الرسمية الأمريكية التي اتضحت بأن هذه كانت عملية مبيتة، فإن محبي المؤامرات لا يدعون الحقائق تشوشهم. فعلى مدى السنين رفضت إسرائيل الاعتراف بمسؤوليتها، ولكن في مرحلة معينة انثنت ووافقت على دفع 12.7 مليون دولار لعائلات القتلى والجرحى.
مرت سبع سنين وتورطت إسرائيل مرة أخرى. في تموز 1973 قتل مقاتلو وحدة العمليات «قيساريا»، أحمد بوشيكي في مدينة الاستجمام «ليهامر» في النرويج. فقد اعتقدوا بالخطأ أن هذا هو حسن علي سلامة، رجل العمليات الكبير في م.ت.ف، الذي كان مشاركا في التخطيط لقتل 11 رياضيا في ميونخ. كان هذا خطأ في التشخيص. ومن صفي كان نادلا مغربيا زوجته النرويجية كانت حاملا.
حتى اليوم تعتبر هذه العملية أحد الاخفاقات اللاذعة للموساد. ستة من رجال الخلية اعتقلوا وأرسلوا إلى فترات سجن. إسرائيل لم تأخذ على عاتقها أية مسؤولية مع أنه كان واضحا للجميع انها هي التي تقف خلف الاغتيال. في 1996 استسلمت وأعربت حكومة إسرائيل عن أسفها (من دون الاعتراف بالذنب على قتل بوشيكي، ووافقت على دفع تعويضات بمبلغ 400 ألف دولار لابنه الذي يعيش في النرويج.
بعد سنة، في 1997، كان امتناع إسرائيل آخر. مقاتلان من وحدة «كيدون»، وحدة عمليات رأس الحربة في الموساد، أمسك بهما في الأردن بعد محاولتهما تصفية زعيم حماس خالد مشعل برشه بالسم. وفر مقاتلان آخران إلى السفارة الإسرائيلية في عمان. رئيس الوزراء الذي أقر العملية على أرض الصديقة الاستراتيجية الأكبر لإسرائيل في العالم العربي، حتى بثمن المخاطرة بالعلاقات، كان نتنياهو.
اما الملك حسين الذي شعر بالإهانة الشخصية من الخيانة الإسرائيلية ـ رئيس مخابراته قال لرئيس الموساد داني ياتوم: «طعنتمونا بسكين في الظهر» ـ هدد بإرسال وحدة عسكرية لاقتحام السفارة إذا لم يسلم رجلا الموساد. كما هدد بقطع العلاقات مع إسرائيل.
فاستدعى نتنياهو على عجل لمساعدته رجل الموساد القديم افرايم هليفي (الذي في غضون وقت قصير سيحل محل ياتوم في رئاسة الجهاز)، والذي كان يعرف الملك منذ سنوات عديدة. وتوصل هليفي إلى اتفاق انهى الحدث الخطير: فقد «أحيت» إسرائيل مشعل، الذي كان على شفا الموت السريري، من خلال إكسير مضاد للسم، أعد في حالة تضرر أحد المقاتلين بالخطأ. كما أنها اعتذرت ووعدت بأنها لن تعمل أبدا مرة أخرى على الأرض الأردنية. كما حررت إسرائيل من حبسه مؤسس حماس وزعيمها الروحي الشيخ أحمد ياسين.
بعد مرور 13 سنة مرة أخرى تورطت إسرائيل في حادثة نهايتها أن تنتهي بذات النمط. في 2010 حاولت قوة من الوحدة البحرية 13 السيطرة على السفينة التركية «مرمرة»، وعليها نشطاء من مؤيدي حماس أبحروا لكسر الحصار على غزة. القوة العسكرية، التي تعرضت للاعتداء من بعض النشطاء، فشلت في إنهاء مهمتها بلا إصابات. وقتل 9 نشطاء أتراك. طلب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من إسرائيل الاعتذار ودفع التعويضات. إسرائيل رفضت ولكن في النهاية، على طريقة شرائح السلامي، استسلمت مرة أخرى.
بداية اعتذر نتنياهو في مكالمة مع اردوغان، بعد ذلك، في ختام مفاوضات طويلة وافقت إسرائيل على دفع 21 مليون دولار لعائلات المصابين. تركيا من ناحيتها تعهدت بوقف الاجراءات القانونية ضد ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي وأوفت بتعهدها. ولكنها تنتهك تعهدا آخر لها: أن تطرد من أراضيها قيادة حماس ونشطاءها.
والآن، نصل إلى القضية الأخيرة في السلسلة. في تموز/يوليو 2017 قتل حارس وزارة الخارجية أردنيين في نطاق السفارة الإسرائيلية في عمان. صاحب البيت وشاب جاء لتركيب أثاث في الشقة.
ادّعى الحارس أنه تعرض لاعتداء بمفك. حاولت إسرائيل تهريب كل فريق السفارة، ولكنها لم تنجح في ذلك. رئيس المخابرات نداف ارغمان، سافر على عجل إلى الأردن، التقى نظيره الأردني، استجوب الحارس وحاول الوصول إلى تفاهمات وإنهاء الحادثة.
وافق الأردن على أن يعود رجال السفارة إلى إسرائيل. ولكن عندما اجتازوا جسر اللنبي اتصل رئيس الوزراء مع الحارس والسفيرة عينات شلاين، وبعد ذلك سارع إلى نشر الحدث.
ولاحقا دعاهما إلى مكتبه، التقطت له الصور معهما ونشرها. من يدفع ثمن الصورة وشريط المحادثة هي السفيرة الكفؤة شلاين، التي أعلن الأردن أنها شخصية غير مرغوب فيها. وفي هذه الأيام، نشرت وزارة الخارجية عطاء داخليا لمنصب السفير او السفيرة بديلا عنها.
لقد أغضب سلوك نتنياهو عبدالله، الذي كان على اي حال في أزمة بسبب الأحداث العنيفة في الحرم. الملك الأردني وبعض رجال حكمه أعلنوا عن «الحرد» وقطعوا الاتصال مع إسرائيل (وإن كان على مستويات العمل بين جهازي المخابرات والأمن تواصلت الاتصالات الجارية). ومثلما في المرات السابقة، تمترست إسرائيل في مواقفها. ولكن في النهاية، بعد تدخل الإدارة الأمريكية وسياسة الجولات المكوكية لرئيس الموساد يوسي كوهن، وبالأساس لرئيس القسم العالمي ورجاله، المسؤولين عن توثيق العلاقات الاستخبارية بين الدولتين، تحققت تسوية مصالحة. إسرائيل اعتذرت، وافقت على دفع تعويضات بمبلغ 5 ملايين دولار لثلاث عائلات أردنية (لعائلتي القتيلين ولعائلة أخرى هي عائلة القاضي الذي قتل بالنار في 2014 في جسر اللنبي وتعهدت بالتحقيق حتى النهاية مع الحارس، وعند الحاجة أيضا استنفاد القانون معه.
على خلفية الحدث الأخير، وازن الأردنيون بين السلوك الإسرائيلي وسلوك الملك حسين في 1997 حين قتل جندي أردني سبع فتيات إسرائيليات وأصاب 13 في منطقة الحدود في نهرايم. بعد الحادثة الإجرامية قطع الملك زيارة له إلى إسبانيا، طار إلى إسرائيل وزار منازل أهالي التلميذات وهي تجلس حداد السبعة أيام في بيت شيمش. وبحضور وسائل الإعلام ركع الملك على ركبتيه وأعرب عن الاعتذار باسم المملكة الأردنية.
كما زار الجريحات في المستشفى وأمر بمنح تعويض مالي للعائلات المصابة.
وقبيل الحادثة التالية ـ التي نأمل ألا تقع، ومع ذلك ـ مرغوب فيه أن تستخلص إسرائيل الدروس، وتغير طرائقها وتتبنى النهج النبيل للحسين. بدلا من التسلق على أشجار عالية وبعد ذلك البحث عن السلالم للنزول عنها، يمكن الاعتراف في مرحلة مبكرة بالأخطاء، الاعتذار وكذا دفع التعويضات من دون محاولة النفي والتهرب من المسؤولية. هذا ليس محترما في العلاقات بين بني البشر. هذا مثير للحفيظة حين تفع ذلك شركات تأمين او غيرها، وهذا غير مرغوب فيه للحكومات.
معاريف