محاولات اغتيال عرفات: من تفخيخ ملعب بيروت حتى الوحدات الخاصة
تكشف فصول كتاب “استبق لقتله” للصحفي الإسرائيلي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رونين برغمان، نشرت فقرات منها في “نيويورك تايمز”، عدة محاولات لاغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، إضافة إلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية
.
وبحسب الكتاب، فإنه بعد تأسيس حركة فتح نهاية خمسينيات القرن الماضي، فإن الموساد لم يأخذ ذلك بجدية، واعتبرها مجرد حركة طلاب ومثقفين. ولكن بعد 6 سنوات، وبعد أن بدأت بتنفيذ عملياتها الأولى ضد أهداف إسرائيلية، طلب المسؤول عن نشاط الموساد في أوروبا من رئيس الموساد إصدار أمر لوحدة “قيسارية” باقتحام مكتب في فرانكفورت في ألمانيا، كان يستخدمه عرفات كقاعدة له، وذلك بهدف اغتياله.
“استبق لقتله”، كتاب جديد للصحافي الإسرائيلي رونين برغمان، الذي يسرد من خلاله تفاصيل خطط لاغتيال رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، يوثق الكتاب كواليس الخطة التي أعدتها الأجهزة الأمنية وضغوطات زير الأمن الإسرائيلي في حينه أرئيل شارون.
ويقول الوزير الأسبق في الحكومة الإسرائيلية، رافي إيتان، إنه كان بالإمكان تنفيذ عملية الاغتيال بسهولة، إلا أن رئيس الموساد في حينه، مئير عميت، رفض ذلك، بحسب إيتان.
وبعد الحرب العدوانية عام 1967، بدأت الثورة الفلسطينية بتنفذ عمليات في القدس المحتلة وباقي أنحاء الضفة الغربية. ويقول الكتاب إنه في أعقاب معلومات وصلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، قام الجيش الإسرائيلي باقتحام منزل كان يمكث فيه عرفات، ولكنه كان قد غادرة قبل دقائق من دخول قوات الجيش، حيث تبين لهم أن الطعام الذي كان على الطاولة كان لا يزال ساخنا.
ويضيف الكتاب محاولة أخرى استمرت نحو ثلاثة شهور عام 1968، جرت خلالها محاولة تحويل أسير فلسطيني، بواسطة غسيل للدماغ، إلى عميل في صفوف الموساد ليقوم باغتيال عرفات. ولكن المهمة فشلت، وقام الأسير، بعد 5 ساعات من إطلاق سراحه، بتسليم نفسه للشرطة المحلية، وسلمها المسدس الذي كان بحوزته، وصرح أن الاستخبارات الإسرائيلية حاولت إجراء عملية غسيل دماغ له لدفعه لاغتيال عرفات.
وبعد عملية نهاريا عام 1979، أصدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حينه، رفائيل إيتان، تعليمات إلى القائد العسكري لمنطقة الشمال أفيغدور بن غال تتضمن قتل جميع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. وتم تعيين مئير دغان، الذي أصبح لاحقا رئيسا للموساد، مسؤولا عن تنفيذ التعلميات الجديدة في جنوبي لبنان.
وفي العام 1981 عين أرئيل شارون وزيرا للأمن، وجعل من عرفات هدفا له. وبحسب “نيويورك تايمز”، فإن شارون أعطى الضوء الأخضر لبن غال ودغان بالتخطيط لعملية أطلق عليها “عملية أوليمبيا”، وكان الهدف هو أن تقوم وحدة، لا تبدو مرتبطة بإسرائيل، بزرع قنابل تحت مقاعد “الشخصيات المهمة جدا” في مبنى ملعب بيروت، والذي كان يفترض أن تجتمع فيه قيادة منظمة التحرير في الأول من كانون الثاني/يناير عام 1982، لاغتيال جميع قادة المنظمة.
وبحسب الكتاب، فإن كل شيء كان جاهزا، بما في ذلك القنابل التي تم زرعها، إضافة إلى ثلاث مركبات محملة بمواد متفجرة كان يفترض أن يتم ركنها في الشوارع القريبة من الملعب، والتي يفترض أن تنفجر عندما يحاول الناجون الفرار من المكان. إلا أن مجموعة من ضباط الاستخبارات العسكرية الذين عبروا عن مخاوفهم من العملية، توجهوا إلى رئيس الحكومة في حينه، مناحيم بيغين، وطالبوا بإلغاء العملية بداعي أنه “لا يمكن تفجير ملعب كامل.. سيلاحقنا العالم كله”. وعندها أصدر بيغين تعليمات بإلغاء العملية.
ويضيف الكتاب أن شارون كان يعمل في حينه على خطة أكبر وأوسع، حيث أن إسرائيل بادرت إلى الحرب في مطلع حزيران/يونيو 1982 على لبنان، وتم تشكيل وحدة خاصة أطلق عليها “داغ ملوح – سمك مالح” هدفها اغتيال عرفات. وكانت تضم في صفوفها دغان ورافي إيتان، ويقودها عوزي ديان القائد الأسبق لدورية هيئة الأركان في الجيش. وحاولت الاستخبارات العسكرية طوال الوقت تحديد تحركات عرفات، وكانت الطريقة المثلى لهم هي استهدافه من الجو، إلا أن القنابل أخطأت الهدف، نظرا لأن عرفات كان يتجنب اتباع روتين ثابت.
ويضيف الكتاب، أنه في الثالث من حزيران/يونيو 1982 توجه الصحفي أوري أفنيري إلى بيروت لإجراء مقابلة مع عرفات. وعندها قررت الوحدة الخاصة استغلال وصول ثلاثة صحفيين من أجل إدخال مجموعة تغتال عرفات مباشرة. وفي حينه نشب جدال داخل الوحدة بشأن إمكانية تعريض مواطنين إسرائيليين للخطر والتسبب بموتهم، إلا أنه بحسب برغمان فإن القرار كان إيجابيا، بيد أن عرفات اشتبه بهم، وفشل عناصر الوحدة في تتبع تحركاته في أزقة جنوبي بيروت.
وبعد نحو شهرين، جرت محاولة لاغتيال عرفات من الجو، حيث كان يفترض أن يتواجد في مبنى مكاتب تم إرسال طائرات فانتوم لقصفها، إلا أنه نجا مرة أخرى، حيث سقطت القنابل قبل وصوله.
ويتابع الكتاب أن رغبة شارون في اغتيال عرفات لم تتراجع. وبحسب أحد المسؤولين في الاستخبارات العسكرية، عاموس غلبوع، فإن شارون وإيتان كانا يرغبان بشدة بقتل عرفات. وفي أعقاب ذلك تم تغيير اسم الوحدة الخاصة من “سمك مالح” إلى “عملية السمك الذهبي”، ولكن المهمة ظلت نفسها.
كما يشير الكتاب إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي أعد خطة أخرى لاحقا، حيث اكتشف عناصر سلاح الجو منطقة فوق البحر المتوسط تمر فيها طائرات الركاب ولكن دون أي تغطية من أي كاشوف (رادار) لأي دولة.
ولهذه المهمة تم تخصيص طائرة من طراز “بوينغ 707” مجهزة بكاشوف وأجهزة اتصال. وتحت إمرة شارون المباشرة جرت عملية رصد متواصلة لتحركات عرفات، بينما كانت طائرات من طراز “أف 15″ و”أف 16” على أهبة الاستعداد.
وخلال تسعة أسابيع، من تشرين الثاني/نوفمبر 1982 وحتى مطلع كانون الثاني/يناير 1983، تم استنفار الطائرات الحربية خمس مرات على الأقل، وذلك بهدف قصف الطائرات التي يفترض أنها تقل عرفات، ولكن كان يتم إلغاء المهمة بعد انطلاق الطائرات العسكرية.