لماذا المقاطعة ؟!
غالب قنديل
من أبرز أهداف حملات المقاطعة واقعيا وفي جوهرها أنها تحفيز تربوي لاعتراض التطبيع الذي يعني تحويل العلاقة بالكيان الصهيوني إلى امر طبيعي بدلا من الالتزام بواجب التصدي لعدوانه المستمر واطماعه غير المحدودة التي تتربص بلبنان ومستقبله وامنه واستقراره وثرواته وحقوقه البرية والجوية والبحرية إضافة إلى حقيقة الالتزام الوطني والإنساني بالانحياز لشعب فلسطين الشقيق وما يحمله ذلك الانحياز من مصالح وأبعاد وجودية للبنان وشعبه وقد ذهبت شعوب وبلدان غربية عديدة بعيدا في حركات مقاطعة الكيان الصهيوني بدافع التعاطف الإنساني مع الشعب الفلسطيني فحسب.
يتحدث رافضو المقاطعة عن كونها عملا يعاكس اتجاه التاريخ الذي ينحو بالعالم صوب إزالة الحدود والحقيقة ان هذا الكلام يتكشف عن وهم خالص امام جدران الحقد والاغتصاب الذي يقيمها الصهاينة داخل الأرض المحتلة في كل مكان فهذا الكيان يريد فقط إزالة الحواجز من طريق اطماعه التوسعية وخططه لاجتياح العقول قبل الأسواق ولتدمير الثقافة الوطنية والهوية الوطنية تمهيدا لسحق الإرادة التي تتحدى الاحتلال وترفع راية المقاومة.
يرد بعض المعترضين تاريخ الخروج المرغوب لديهم من العداء اللبناني للصهاينة إلى العام 2000 الذي بات عام التحرير رغما عنهم فهم أنفسهم سبق لهم ان اعترضوا قبل التحرير طريق المقاومة وراهنوا طويلا على الدعم الأميركي والفرنسي لحماية لبنان كما يفعلون اليوم ورفضوا عقيدة الجيش القتالية بعد الطائف واعترضوا على تناغمه مع المقاومة وكان ذلك احد أبرز وجوه اعتراضهم وتصادمهم مع الدور السوري الذي أعلى غاية حماية المقاومة وتكاملها مع الجيش اللبناني آنذاك.
لا ينبغي التساهل في طمس فكرة التناقض بين لبنان والكيان الصهيوني الذي يحتل بعضا من التراب الوطني ويعلن اطماعه في المياه والثروات البحرية وهو المتعدي الدائم على السيادة ومرتكب المجازر ضد الشعب الفلسطيني والسبب المستمر لمأساة اللجوء والشتات الفلسطيني الذي يحمل لبنان قسطا ثقيلا من اعبائه المتضخمة.
هي بديهيات تعريفية يجب ان تبقى ماثلة للعيان وحاضرة ومقاطعة العدو هي إحدى اهم الوسائل لترسيخها عند الأجيال الشابة التي تنعم بما وفرته منظومة الشعب والجيش والمقاومة من حماية وامان وثمة الكثير من شباب لبنان حاليا ولدوا بعد التحرير او شبوا عشيته فلم يعيشوا بذاكرتهم الشخصية يوميات العدوان والمجازر والصلافة الصهيونية التي ظلت حية وقوية عند من عاصروا عقود النار والمذابح في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي والتي ما يزال أثرها حاضرا في جميع المجالات الاقتصادية والبيئية والإنسانية بل والصحية أيضا.
إن أبسط أشكال المقاطعة كالامتناع عن استخدام بعض السلع هو خطوة لها تأثيرها وفحواها لأنه رسالة اعتراض موجهة مباشرة إلى من يتعاملون مع الكيان الصهيوني على انه دولة طبيعية وهي تذكير لهؤلاء بفعل محدد بان هذه الدولة الاستيطانية التي اقتلعت شعب فلسطين هي جسم بغيض مرفوض لأنها قوة عدوان وتوسع ومجازر منظمة وآلة تمييز عنصري واغتصاب للحقوق .
لا يطرح السؤال عن المردود المباشر لمقاطعة الأفراد لفيلم او لسلعة يجند لها منتجوها آلة تسويق عملاقة قادرة على تأمين عائداتها الضخمة فالمردود الفعلي للمقاطعة هو قبل كل شيء معنوي وتعبوي في صفوف شعبنا عبر تعزيز الثقافة الوطنية وبتحويل المواجهة ضد العدو إلى سلوك يومي والتزام يومي للأفراد ومن خلال نسج ذاكرة المقاومة والاستقلال وترسيخها في صفوف الشباب لحماية الشخصية الوطنية والهوية الوطنية والانتماء الوطني.