لماذا كان ردّ فعل روسيا وأميركا هادئاً إزاء غزو عفرين؟: حميدي العبدالله
تساءل كثيرون عن أسباب ردّ الفعل الأميركي والروسي الضعيف على قيام تركيا بغزو عفرين بذريعة أنّ هذه المنطقة تقع تحت سيطرة جماعات إرهابية، علماً أنّ هذه المنطقة لا تتواجد فيها الجماعات الإرهابية المصنّفة جماعات إرهابية من قبل مجلس الأمن والدول الغربية، كما أنّ مسلحي هذه المنطقة لم يقدموا على أيّ عمل ضدّ تركيا طيلة سيطرتهم على هذه المنطقة التي تمتدّ لأكثر من خمس سنوات .
واضح أنّ ردّ الفعل الأميركي يعكس شيئاً من توزيع الأدوار، ومحاولة لإرضاء حلفاء الولايات المتحدة، تركيا والأكراد، التي لم تستطع واشنطن التوفيق بينهم. الإدارة الأميركية أصدرت بياناً فُهم منه أنها لا تؤيد غزو عفرين، ولكن في المقابل أوعزت لحلف الناتو، الذي تسيطر واشنطن على مؤسّساته، بإصدار بيان يؤكد وقوف حلف الناتو إلى جانب تركيا، وربما الولايات المتحدة تريد اختبار أوهام الحكومة التركية عبر توريطها في عمل عسكري، سوف يجعل أنقرة أكثر ضعفاً، وبالتالي أكثر انصياعاً للإملاءات الأميركية، ولذلك هي تصرفت في عفرين على غرار ما فعلت سفيرة الولايات المتحدة، أبريل غلاسبي في العراق، عندما هدّد الرئيس العراقي صدام حسين باجتياح الكويت، في ذلك الوقت كان جواب السفيرة الأميركية حول الموقف من تهديدات الرئيس العراقي تشبه مواقف المسؤولين الأميركيين من قيام تركيا بغزو عفرين.
بالنسبة لروسيا، لا شكّ أنّ أسباباً كثيرة دفعتها كي لا تتخذ موقفاً حازماً بقوة ضدّ الغزو التركي لعفرين، ومن بين هذه الأسباب رغبة موسكو في إنجاح مؤتمر سوتشي، إذ سيكون من الصعب على تركيا العمل على إفشال المؤتمر وهي بحاجة لموقف روسي متفهّم لما قامت وتقوم به الآن في عفرين، لا سيما أنّ وحدات عسكرية روسية لا تزال ترابط في منطقة قريبة من عفرين، وبالتالي فإنّ أيّ موقف غير محسوب لتركيا إزاء روسيا يمكن أن يرتدّ سلباً عليها، وقد تقف روسيا إلى جانب الدولة السورية التي أعلنت معارضتها للغزو وأكدت عزمها على مواجهته.
ربما أيضاً لدى روسيا حسابات ميدانية أخرى، مثل أنّ غزو تركيا لعفرين يدفعها لحشد الجماعات المسلحة في إدلب لربح معركة عفرين، وهذا يسهّل على الجيش السوري تحرير هذه المحافظة التي لا يزال الجزء الأكبر منها تحت سيطرة جماعات مسلحة مدعومة من قبل تركيا، وقد تكون أيضاً لدى موسكو حسابات تشبه حسابات واشنطن تنطلق من أنّ الحكومة التركية لا يمكن أن تكون إيجابية في التعامل مع الوضع في سورية قبل أن تتحرّر من أوهام قدرتها على السيطرة على مناطق واسعة في شمال سورية.
هذه هي أسباب الموقفين الروسي والأميركي من غزو عفرين، والتي لم تصل إلى حدّ الوقوف العملي في وجه اعتداء سافر على سيادة دولة ثانية وتكريس شريعة الغاب في العلاقات الدولية.