مقالات مختارة

خلاف عون ــ برّي: من المرسوم صعوداً إلى الطائف: نقولا ناصيف

 

لم يعد احد في الوقت الحاضر يبحث عن مخرج لأزمة المرسوم بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي. كلاهما ارتفعا بالخلاف الى السقف الاعلى المحظور، وهو اتفاق الطائف. بات السجال، المباشر وغير المباشر، بينهما يدور حول مَن يطبّق الاتفاق ومَن يخلّ به؟

هذه المرة لا يقع اتفاق الطائف ضحية سوء تنفيذه، او تنفيذه ملتوياً، كما ابّان الحقبة السورية في لبنان طوال عقد ونصف عقد من الزمن بمسؤولية سورية ولبنانية متضامنة ومشتركة. بل يسقط الآن ضحية تناقض تفسير أحكامه بين المسؤولين اللبنانيين انفسهم في اعلى مراتب السلطة، خصوصاً بين الرئاستين الاولى والثانية.

ومع انها ليست المرة الاولى، قبل عام 2005 وبعده، يُثار جدل من حول الصلاحيات الدستورية في اتفاق الطائف ــــ في الاصل في الدستور ــــ سواء لرئيس الجمهورية او رئيس مجلس الوزراء او مجلس الوزراء او الوزير المختص، لا يلبث ان يتراجع عندما يقترب من المحظور، الا انها المرة الاولى ربما، على نحو علني من فوق السطوح، يتبادل المسؤولون الكبار اتهامات بـ«تخريب» اتفاق الطائف او تقويضه او انتهاكه. واكثر من اي وقت مضى يدخلون في المحظور.

هذه المرة لم تصغر، بمرور الوقت، مصيبة الخلاف على مرسوم منح ضباط دورة 1994 اقدمية سنة بعد انقضاء اكثر من شهر على وقوعها. بل باتت اكبر من القدرة على احتمال تداعياتها التي تشعّبت في كل اتجاه. لم يعد في وسع اي احد ـــ بمَن فيهم رئيس الحكومة سعد الحريري ـــ الاضطلاع بدور الوسيط بين رئيسي الجمهورية والبرلمان. لبعض الوقت عُزي خلافهما المتنامي الى افتقارهما الى العلاقة الودّية وما راج عن «الكيمياء» الشخصية المعدومة. قيل ايضاً انه خلاف على الاحجام. بعد انكفاء الحريري الى ظل رئيس الجمهورية، وشغف النائب وليد جنبلاط بـ«تويتر»، لم يعد في الساحة سوى الحجمين السياسيين الكبيرين لعون وبرّي: يأخذ اولهما على الثاني انه يضطلع بأكثر من دور مفتي الجمهورية وحلاّل مشاكلها، ممسكاً بفيتو النظام الذي يمكّنه من ان تكون له كلمة فصل فيه. لم يتأخر في التلميح الى رئيس المجلس بقوله قبل ايام ان احداً لا يتنزع «منا سلطتنا»، مصوّباً ضمناً على وزارة المال ورافضاً تحوّلها توقيعاً ملزماً ودائماً وحتمياً. ويسجّل ثانيهما على الاول انه يعود بصلاحيات رئيس الجمهورية الى ما قبل اتفاق الطائف، ويتصرّف كما لو ان النظام رئاسي.

موازنة 2018 ضحية استمرار خلاف الرئيسين على المرسوم

لم يتردّد برّي في القول ايضاً قبل مدة في اول الخلاف على المرسوم: كأنهم لم يعرفوا ان الوصول الى اتفاق الطائف كبّد البلاد 150 الف قتيل.

بيد ان ثمة مفارقة لافتة تواكب اعلان الرئيسين تمسّكهما باتفاق الطائف نصاً وروحاً: الاول ناوأه ورفضه وقاتله ودفع ثمن نفاذه، والثاني لم يشارك في وضعه ولا في مداولاته. أخرج الاتفاق عون من قصر بعبدا وقاده بالقوة الى المنفى وحينما عاد عَمِل في ظله وانتخب رئيساً للجمهورية تحت سقفه بشهادة قسمه الدستوري. كذلك اوصل الاتفاق برّي ــ وهو في فريق داعميه ــ الى رئاسة المجلس وجعل منه تطبيقه في الحقبة السورية كما بعدها رقماً صعباً في معادلة الداخل والحكم، شأن ما كان عليه الرئيس رفيق الحريري ثم وارثه الرئيس سعد الحريري وجنبلاط وحزب الله.

الى الآن لا يبدي اي من عون وبرّي استعداداً للتخلي عن تصلبه واصراره على تفسيره المادة 54 من الدستور التي صارت ـــ وحدها ـــ محور خلافهما على مرسوم بدأ تدبيراً ادارياً، ثم تحوّل الى مشكلة سياسية، فالى مأزق دستوري. أُوصدت الابواب تماماً دون المرجعين الصالحين لبت الخلاف على المرسوم كمجلس شورى الدولة، وبت الخلاف على المادة 54 كمجلس النواب. اذذاك لم يعد في وسع الرئيسين الوصول الى مخرج للازمة، ولا يعتزم احدهما التخلي عن وجهة نظره، ولا العودة بالنزاع الى مرتبة المشكلة السياسية التي يسهل معها ايجاد تسوية منصفة بينهما. الاكثر مدعاة لدوام المشكلة، ان رئيس الجمهورية يعدّ المرسوم نافذاً ومن الماضي، ورئيس البرلمان يرى ان لا وجود له في الاصل لافتقاره الى احد مقوماته الدستورية الذي هو توقيع وزير المال على انه وزير مختص.

على ان اصرار الرئيسين على الخلاف ـــ وتالياً سبباً لاعتقاد كل منهما انه مصيب في تفكيره ومراجعته الدستورية ـــ يجعله مصدراً للخلاف على اي شأن آخر ما دام تبادل الاتهامات بينهما بات يطاول سقف النظام الذي هو اتفاق الطائف. الخلاف على تعديل قانون الانتخاب جزء من ذلك النزاع، كذلك الخلاف على فتح عقد استثنائي للمجلس قبل الوصول الى موعد العقد العادي الاول في منتصف آذار، قبل شهر ونصف شهر فقط من موعد الانتخابات النيابية العامة.

بذلك يقرع خلاف عون وبرّي ابواب مجلس النواب. وقد يوحي، من الآن، بأن لا التئام للبرلمان في المدة الفاصلة عن انتخابات ايار التي تقل عن اربعة اشهر. ومع ان وعود المسؤولين قبل اقرار موازنة 2017 وبعدها، جزمت باحترام المهل الدستورية لمناقشتها في مجلسي الوزراء والنواب، واقرارها ابانها، الا ان لا مؤشرات ايجابية تشي باحتمال اصدار موازنة 2018 ــــ بعدما انجزتها وزارة المال ــــ قبل انتخابات ايار. ما قد يشير الى انها ستبقى حبراً على ورق الى الصيف المقبل، وربما الى ابعد منه في انتظار استحقاقات ما بعد الاستحقاق الرئيسي الوشيك: انتخابات رئاسة المجلس ثم تأليف الحكومة الجديدة.

على نحو كهذا يبدو واضحاً ان لا انعقاد مرجحاً ــ حتى الآن على الاقل ــ لمجلس النواب سواء بالنسبة الى اي تعديل محتمل لقانون الانتخاب ــ وهو اصبح بدوره من الماضي ــ او بالنسبة الى موازنة 2018 ومشاريع قوانين حكومة الحريري.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى