المقاومة نداء عالمي
غالب قنديل
منذ بداية العام الجديد أعلنت إدارة دونالد ترامب عن استراتيجيتين امنية وعسكرية تجمع بينهما لغة عدوانية وتصادمية اتجاه دول العالم واعتبار المزيد من القوة العسكرية الأميركية والحروب والاستعدادات الحربية المنتشرة في أكثر من مئة وأربعين بلدا في العالم تتواجد على أرضها القوات الخاصة الأميركية بمثابة الطريق الذي لا بديل عنه لتثبيت التفوق الأميركي الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي الذي تعتبره المؤسسة الحاكمة ضمانة لاستقرار العالم والصحيح هو طريق محاولة يائسة لتثبيت استقرار الهيمنة الأميركية فحسب.
دفع الجنرال ماتيس محاربة الإرهاب إلى المرتبة الثانية من اولويات الإمبراطورية التي تقدمها التصدي لروسيا والصين ومعلوم ان الإرهاب هو إحدى الأدوات التي تعدها واشنطن لا بل تحبذها في حروب الوكالة لاستنزاف الخصوم والمنافسين دفاعا عن هيمنتها الأحادية كما برهنت التجارب خلال السنوات الأخيرة.
تسقط الإمبراطورية الأميركية في نهجها العدائي كثيرا من الهراء التي ردده العديد من الكتاب والمحللين خلال السنوات الأخيرة وتؤكد سيرها في خط استفزازي وعدواني على الصعيد العالمي فلا صفقات ولا تسويات ولا انكفاء اميركيا من أي من ساحات المجابهة مع القوى العالمية المنافسة والقوى المتمردة والعاصية التي ترفض الرضوخ للمشيئة الأميركية وهذا ما يطال كلا من كوريا وإيران اللتين تسميهما الوثيقة الأميركية بالدول المارقة أي الخارجة عن السيطرة وغير المذعنة لهيمنة واشنطن في حين تتركز اولوية البنتاغون على مجابهة كل من روسيا والصين وفي نطاقات دولية متعددة وواسعة جغرافيا على مدى القارات الخمس بما في ذلك أوروبا حيث يتركز الصراع ضد روسيا مباشرة بينما احتل ما يسمى الشرق الأوسط اولوية حاسمة بوصفه ساحة مواجهة ضد روسيا والصين وإيران وهذا ما يشطب اوهاما كثيرة ترددت في منطقتنا عن انسحاب اميركي متخيل على الرغم من كثافة المصالح الأميركية ومحورية الكيان الصهيوني في استراتيجيات الولايات المتحدة ولأسباب ودوافع متعددة ومتشابكة.
استراتيجية البنتاغون المعلنة تؤسس لاستثمارات ضخمة في صناعة السلاح الأميركية كما جرت العادة ولكن هذه المرة مرفقة بمرارة الاعتراف بحاجة الإمبراطورية إلى تحديث قوتها العسكرية التي أصيبت بالشيخوخة كما توحي تصريحات وزير الحرب ماتيس وهي تذكرنا بكلمات دونالد رامسفيلد وزير حرب دبليو بوش عن الحرب الذكية التي شكلت تغطية لصفقات خيالية أبرمها مع تكتلات الصناعة الحربية الأميركية وقد تضمنت تصريحات ماتيس تضمنت كلاما عن فجوة ينبغي استلحاقها بعدما اظهر الانخراط العسكري الروسي في سورية تفوقا مهما على الصعيدين الاستراتيجي والتقني وفضح الهالة الخادعة للقوة العسكرية الأميركية أمام العالم.
لم يسعف روسيا خطابها الدبلوماسي ولا إظهار النوايا الحسنة ولا تصميمها على علاقات تعاون افتراضية في الحد الأدني فهي تعامل كعدو في السياسة الأميركية وتتعرض لحصار عسكري في مجالها الحيوي وتحاصرها العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية وحتى في سورية حيث أبدت كل الاستعداد للتعاون والتفاهم قوبلت بالصد والاستفزاز وكذلك الصين التي تعمدت العمل من خلف الشريك الروسي وتحاشت الصدام في العديد من ميادين المواجهة رغم الصلافة الأميركية والاستفزاز الذي لا يتوقف وهو بالمناسبة تعبير عن نهج تتبناه المؤسسة الأميركية الحاكمة وليس واحدة من نزوات الرئيس دونالد ترامب أو من تعبيرات نزقه العدواني وسوقيته المعروفة.
الإمبراطورية تدخل حالة حرجة تهز نفوذها وهيمنتها العالمية وتنحو إلى تصعيد عدوانيتها واستفزازاتها في العالم وهي جاهزة لاستباحة الكثير من الحدود والأعراف ولا ترضخ او تساير التوازنات سوى بالإكراه لتعود وتهاجم مرة اخرى كأفعى جريحة وهذا لا يقاوم سوى بالمزيد من الحزم في سلوك القوى التحررية المناهضة للهيمنة ردا على الصلافة والعدوان.
لنا في المنطقة العربية درس متجدد ينبغي تعلمه وهو ان طريق المقاومة والقوة هو الذي يرد على العدوان والاستفزاز الذي تقوده وتجسده الولايات المتحدة الحليف والداعم الرئيسي للكيان الصهيوني وللحكومات التابعة في البلاد العربية حيث تنتشر حمامات الدم من فلسطين إلى سورية واليمن وليبيا وسواها بأيد استعمارية وعميلة للاستعمار ويتجدد نداء الحياة والحرية إلى المقاومة والوحدة من اجل الخلاص وسوى ذلك سراب وهراء وينبغي الانتباه إلى ان الوضع العالمي وحتى إشعار آخر ليس مهيئا لإنتاج التسويات بل هو يضج بالمعارك والمواجهات الطاحنة الباردة والساخنة بين القوى الشرقية الصاعدة والإمبراطورية الأميركية الآفلة.