الأمن العام اللبناني
غالب قنديل
تقوم الولايات المتحدة بالتجسس على مئات ملايين الأشخاص في العالم وهي ترصد كل شاردة وواردة اقتصادية وسياسية وثقافية وفنية في جميع القارات من خلال تحكمها بأتوسترادات المعلومات الكونية عبر شبكة الأنترنت التي تحتكر شركات أميركية محركاتها الأكثر شيوعا وانتشارا بأفضلية السبق في ابتكارها وتعميمها بينما تتولى شركات التواصل الإلكترونية الأميركية حفظ وتخزين معلومات شخصية بالغة الدقة عن جميع مستخدميها في العالم وبجميع اللغات الحية وبين الفترة والأخرى نسمع عن صفقات هائلة لبيع تلك المحفوظات بالمليارات إلى وكالة الاسخبارات المركزية الأميركية مما يجعل الولوج العالمي إلى تلك المواقع فخا محكما نصبته المخابرات الأميركية وحولته إلى مصدر ربح كبير للمشغلين لقاء خدماتهم التجسسية.
لا تثير امبراطورية التجسس الأميركي أي اعتراض في العالم بل هي بديهية يتعايش معها الجميع ويصمتون عنها وقد تم تحصينها بذرائع عديدة أبرزها وأشدها فجورا مزاعم الحرب على الإرهاب التي كشفت الوقائع مقدار التورط الأميركي في ممارسته وإنشائه ونشره واستعماله وحمايته ودعمه وعن هذه الحقيقة ثمة الكثير من الوقائع والفضائح التي فاض بها السلوك الأميركي في سورية والعراق والمنطقة العربية عموما.
بالتأكيد ليست الحمية الأميركية الزائدة على الحريات العامة والخاصة هي الدافع إلى إثارة قضية ضد الأمن العام اللبناني تحت شعار قيامه بعمليات اعتراض وكشف للحسابات الإلكترونية والمكالمات الهاتفية في لبنان والخارج خصصوا ما تضمنه التقرير الأميركي المنشور من مبالغات وتضخيم نتمنى لوكانت وقائعه صحيحة وهو أمر بديهي تفرضه مهام الأمن العام في الدفاع عن السيادة اللبنانية وملاحقة شبكات التجسس الصهيونية متعددة الجنسيات وتقصي حركة المجموعات الإرهابية التي يدعمها مشغلون أميركيون وغربيون وخليجيون وصهاينة ويمكن لنا تخيل كمية المعلومات التي يفترض بمؤسسة امنية لبنانية متابعتها وتحليلها وكشف مصادرها وخطوط انتقالها وانتشارها ومحتوى ما تتضمنه من مخاطر أمنية على البلد المستهدف والمحاط بالتهديدات لا سيما المخابراتية بعدما تكفلت معادلته الدفاعية بصد معظم المخاطر خلال السنوات السبع الماضية.
نجاحات الأمن العام اللبناني وإنجازاته الميدانية ومصداقيته الدولية تفسر استهدافه بدعاية مضادة غايتها تشويه الصورة والابتزاز ودفعه إلى التراخي في ميادين قوته بالكف عن ملاحقة جواسيس العدو الصهيوني وعن التصدي لمحاولات الاختراق الأميركية والغربية بالوكالة عن كيان العدو الذي طورت مخابراته وسائل اختراقها عبر وكلاء عرب وغربيين بحيث يقود التنسيق الصهيوني مع الغرب وبعض دول الخليج إلى منح العدو منصات رديفة وتغطيات متقنة لتجنيد العملاء وتشغيلهم في لبنان.
لقد ساهم الأمن العام في كشف واعتقال الجواسيس والإرهابيين دفاعا عن امن اللبنانيين وهو يقدم مساهمة فعالة ومستمرة في تحصين لبنان وتعزيزمناعته وثمة فكرة تطرح نفسها وتستدعي السؤال عن سر توقيت الحملة ضد الأمن العام بالعلاقة بين المحاولة الأميركية لشيطنة الأمن العام والمحاولات المتكررة لتحطيم حواجز تحريم التطبيع مع العدو والترويج له وهي الحواجز التي يحرسها الأمن العام تجسيدا للدستور وللقوانين والأنظمة اللبنانية النافذة وانطلاقا من كوننا دولة مستهدفة بالعدوان الصهيوني باستمرار.
حين تطرح قضية التساهل مع مصنفات مقاطعة العدو الصهيوني واطرها المعروفة بالتزامن مع هجوم إعلامي على الأمن العام مصدره أميركي علينا ان نتعرف على مصدر الإيحاء بالفكرة التي تداولها وزراء ونواب تنافخوا شرفا على الفن والإبداع وسعوا إلى التحريض ضد رقابة الأمن العام على الأفلام السينمائية من زاوية العلاقة بالعدو والتطبيع فالمستهدف هي مناعة المجتمع اللبناني وحصانته ضد الاختراق الصهيوني ليس إلا.
في السياق تتوجب التحية لناشطي حملات مقاطعة العدو الذين يعود إليهم الفضل في اليقظة الوطنية ضد خطر الاختراق الصهيوني الثقافي وما ينطوي عليه من استباحة همجية لأي التزام بالسيادة الوطنية وبالهوية الوطنية والتحية مكررة إلى مؤسسة الأمن العام على دورها الوطني السيادي وإنجازاتها المهمة.