إيران وفلسطين والعرب
غالب قنديل
لا يحتاج المتابع إلى جهد كبير للتعرف على مكانة قضية فلسطين المحتلة في الأولويات الإيرانية ويمكن بكل وضوح فهم المصالح الإيرانية العليا في التصدي للكيان الصهيوني ودوره العدواني في المنطقة بصفته الذراع العسكرية للاستعمار الغربي التي تستخدم ضد أي نزعة استقلال أو تحرر من الهيمنة وهذا ما برهنت عليه أحداث القرن الماضي التي أعقبت اغتصاب فلسطين وتؤكده بالنسبة لإيران التهديدات الصهيونية التي لم تنقطع منذ قيام الجمهورية بعد إسقاط نظام الشاه الحليف الموثوق للدولة العبرية.
ما تقوم به إيران من خطوات لدعم المقاومة الفلسطينية هو تعبير عن فهم عميق لهذه الحقيقة التي تجعل الدفاع عن حرية واستقلال أي من دول المنطقة رهنا بجاهزية التصدي للكيان الصهيوني المخلب الاستعماري المشهر ضد الشعوب والبلدان الحرة العربية والإسلامية على السواء في جوار فلسطين وعلى امتداد ما تسميه الخرائط الأميركية بالشرق الأوسط الكبير وهو نطاق عمليات عسكرية واستخباراتية بالاشتراك بين الإمبراطورية الأميركية وحلف الناتو والعدو الصهيوني .
المواقف التي أعلنها الإمام الخامنئي مؤخرا بمناسبة انعقاد مؤتمر برلماني مكرس لقضية فلسطين بعد قرار ترامب بتهويد القدس تمثل دليل عمل لمجابهة الخطط الأميركية الصهيونية لتصفية قضية فلسطين وبسط الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على المنطقة من خلال ما سمي بصفقة القرن وهي تعتبر مساهمة في معركة الوعي الهادفة لتوضيح سبل التصدي لهذه الهيمنة والدفاع عن إرادة الاستقلال والتحرر في المنطقة .
تراكم إيران بخيارها التحرري والاستقلالي مساهمات جليلة في مساعدة العرب على التصدي للأخطار التي تعصف بهم فهي دعمت المقاومة اللبنانية في تحرير الجنوب وشكلت مع سورية محورا حاضنا للمقاومة الفلسطينية واللبنانية لأكثر من ثلاثين عاما وهو ما عطل خطط التصفية والاستسلام في المنطقة وإيران كانت قوة الدعم والإسناذ التي ارتكز إليها الصمود السوري واللبناني والعراقي في وجه عصابات التكفير ومشروعها الوحشي المدمر الذي رعته الولايات المتحدة وتكشف الدعم الصهيوني الكبير الذي قدم لداعش والقاعدة بينما قدمت إيران مساهمات جليلة في دعم جهود الدول والجيوش والقوى الشعبية المقاتلة التي تصدت للإرهابيين.
هذه المساهمات الإيرانية في دعم جهود العرب للدفاع عن حقهم في الحياة تنطلق من إدراك ان الإرهاب خطر عابر للحدود ويتطلب مجابهة من ذات الطبيعة سواء كانت مباشرة ام بعمل وقائي واستباقي وقد احسنت إيران فهم الأخطار والتحديات والتعامل معها عندما نظرت إلى خطة تدمير سورية والعراق على انها تهديد وشيك لإيران ولاستقرارها ليس فحسب لتقطيع اوصال محور المقاومة كما تقضي مصالح الكيان الصهيوني بل لأن خطر الإرهاب التكفيري يزحف وينتقل عبر الحدود بحكم طبيعته وقد اختبرت إيران تهديدات جدية لأمنها انطلقت من سورية والعراق ومن الأسباب الرئيسية لذلك خطط المشغلين الأميركيين والغربيين الذين يحركون الشبكات الإرهابية متعددة الجنسيات.
ثمة دول عربية متورطة في المشاريع الاستعمارية الصهيونية وفي دعم الإرهاب وتنفيذ أهداف مشغليه وهذه الدول تعادي إيران باسم العروبة التي تبعد عنها كما الأرض عن الشمس فالعروبيون الحقيقيون هم الذين يدافعون عن مصالح العرب وعن وجودهم ولذلك معنى رئيسي هو مقاومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية الرجعية ورفضها والانحياز الواضح إلى فلسطين وشعبها وهذا ما تجسده إيران في نهجها التحرري الاستقلالي.
لقد حاول المستعمرون وعملاؤهم محاصرة إيران وتشويه صورتها بالأكاذيب المذهبية وبالتحريض الشوفيني والتعصب القومي وأصحاب هذه الحملات هم أبعد الناس عن الانحياز للعروبة او التعصب لها فهم يقدمون التنازلات للغرب وللصهاينة في جميع المواقف والخطوات التي يتخذونها على الصعد السياسية والاقتصادية وفي علاقاتهم العسكرية والأمنية بدول الغرب الاستعماري وبالكيان الصهيوني.
أفعالهم تفضحهم بينما أفعال إيران تتحدث عنها ويمكن للمواطن العربي العادي ان يميز بين من يدافع عنه ويضحي في سبيل حماية وجوده وكرامته وبين المتواطئين على ذلك الوجود وتلك الكرامة من الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء التي أهدرت على يد وحوش التكفير وعصابات العملاء والمرتزقة في العديد من الدول العربية لحماية الكيان الصهيوني طيلة السنوات السبع الماضية.