الأمن الإسرائيلي: غزة على شفا الانهيار الاقتصادي: عاموس هرئيل
من التقى مع كبار قادة الأجهزة الأمنية ـ ليس فقط أعضاء قسم منسق أعمال الحكومة في المناطق أو ضباط الجيش الإسرائيلي وبدرجة متى حتى رجال الشباك ـ يُسمع منهم انطباع واحد مفاجئ بخصوص قطاع غزة. اقتصاد القطاع يسير نحو الانهيار التام، «مثل الهبوط من نقطة الصفر إلى السالب»، ومعها أيضا وضع البنى المدنية .
المكانة المتدنية لحماس على الصعيد الاقتصادي والسياسي تسهل على إسرائيل القيام بخطوات حيوية من أجل تدمير مشروع الأنفاق. ومثلما جاء في نشرات الأخبار فقد تم تدمير نفق رابع أمس الأول في القطاع خلال أقل من ثلاثة أشهر (وفي حادثة أخرى أصيب أحد رجال حماس في لبنان، في انفجار ما زال منفذوه مجهولين). ولكن مقاربة المستوى السياسي تقضي أنه بالامكان مواصلة الضغط العسكري على حماس من خلال التجاهل المستمر للوضع الاقتصادي الذي يزداد خطورة في غزة. هذه المقاربة تثير القلق لدى الجهات المهنية. على المدى البعيد فإن التدهور في وضع البنى التحتية يزيد خطر الانفجار غير القابل للسيطرة.
قبل نحو أسبوعين جاء في «هآرتس» أن عدد الشاحنات التي تعبر كل يوم معبر كرم أبو سالم من إسرائيل إلى القطاع انخفض بنحو النصف في الأشهر الأخيرة، بسبب نقص القوة الشرائية للغزيين. حسب المعطيات المحدثة فإن نسبتها انخفضت إلى الثلث: 300 ـ 400 شاحنة يوميا فقط. نحو 95 من مئة من المياه في غزة غير صالحة للشرب، مئات آلاف الأمتار المكعبة من مياه المجاري تتدفق كل يوم إلى البحر وتصل إلى شواطئ إسرائيل أيضا. تزويد الكهرباء تمت زيادته 6 ـ 7 ساعات يوميا، بفضل قرار السلطة الفلسطينية إعادة جزء من تمويل تكلفة الكهرباء التي يتم شراؤها من إسرائيل. وهناك خبراء يحذرون من إمكانية انتشار أمراض معدية.
نسبة البطالة في القطاع تقترب من 50 من مئة، وهي تزيد على ذلك في أوساط الشباب. عدد سكان القطاع حسب تقديرات محدثة تجاوز المليونين. هؤلاء السكان محصورون بين نظام الحكم القاسي لحماس وغياب الإمكانية الكاملة للخروج من القطاع بسبب معابر الحدود المغلقة إلى إسرائيل والى مصر.
عندما بدأت إسرائيل بإقامة العائق ضد الأنفاق قبل سنة تقريبًا سمعت تقديرات وكأن حماس يمكنها محاولة تنفيذ عملية بوساطة نفق هجومي في حدود القطاع قبل أخذ هذا الذخر الاستراتيجي منها ـ مشروع الأنفاق الذي استثمرت فيه مئات ملايين الشواقل في العقد الأخير. في هذه الأثناء هذا الأمر لم يحدث برغم أن الجرافات تتقدم. وفي نفس الوقت نجح جهاز الأمن بجهود استخبارية وتكنولوجية في تدمير أربعة أنفاق في الثلاثة أشهر الأخيرة، كما جاء في الأخبار.
حماس فقيرة ومعزولة أكثر مما كانت في السابق، وهي توجد في شرك استراتيجي. فهي متعلقة بمصر وتخشى من إغضاب الجنرالات في القاهرة. ولكن يبدو أن تفسير سياسة الاستيعاب التي تتبعها يتعلق أيضا بانتخاب يحيى السنوار رئيسا لحماس في غزة. السنوار يسيطر على الذراع العسكرية والسياسية أيضا. اسماعيل هنية الذي يوجد في درجة أعلى منه في الهرم هو من سكان غزة، خلافًا لسلفه خالد مشعل، الذي كان يعطي المواعظ المتشددة لرجاله من مكان وجوده المريح في قطر. هنية والسنوار يقودان الآن خطا متوازنا نسبيا. في 2014 عشية عملية الجرف الصامد كان السنوار يستطيع السماح لنفسه باتخاذ مقاربة أكثر قتالية من ساسة حماس في غزة. الآن هو واحد منهم.
في إسرائيل يوجد على جدول الأعمال عدد من الاقتراحات لتغيير السياسة المدنية تُجاه القطاع. وزير المواصلات والاستخبارات إسرائيل كاتس لا ينجح في طرح نقاش جدّي في الكابنت حول مشروع «الجزيرة الصناعية» التي تواجه معارضة رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع ليبرمان. اقتراحات أخرى قدمت من الأجهزة الأمنية، بدءا من تسهيلات محدودة حتى إدخال آلاف العمال من القطاع للعمل في مستوطنات غلاف غزة (التي يحدق بها خطر أمني) تم بحثها ببطء وامتدت المصادقة عليها عدة أشهر.
الحرب الاخيرة في غزة اندلعت بسبب اندماج عدد من الظروف. إسرائيل زادت الخطوات العقابية ضد حماس في الضفة الغربية بعد اختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون. في هذه الأثناء وجدت حماس نفسها في أزمة اقتصادية في اعقاب النزاع مع السلطة التي توقفت عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين في غزة. الصاعق الأخير وصل أخيرا من كرم أبو سالم عندما شكت إسرائيل أن حماس تنوي تنفيذ عملية كبيرة بوساطة نفق.
رسالة لحماس وحزب الله
في الوقت ذاته يستمر، حسب مصادر أجنبية، نشاط إسرائيل ضد إيران وحزب الله في الأراضي السورية. في ظهيرة أمس جاءت من لبنان أنباء عن انفجار سيارة في مدينة صيدا، أصيب فيه أحد نشطاء حماس، محمد حمدان، الذي أصيب عند فتح باب سيارته. وحسب تقارير وسائل الإعلام اللبنانية فقد قطعت إحدى ساقيه. في حماس قالوا إن إسرائيل هي المسؤولة عن التعرض لحياة حمدان. في منتصف العقد السابق اتهم حزب الله والتنظيمات الفلسطينية إسرائيل بعدد من محاولات الاغتيال التي لم يتم حل لغزها، ضد نشطاء حماس والجهاد الإسلامي في بيروت وجنوب لبنان.
في السنة الأخيرة انتقل عدد من كبار الذراع العسكرية لحماس في الخارج إلى لبنان، بعد اضطرارهم لمغادرة تركيا وبعد ذلك قطر. الأكبر من بينهم صالح العاروري الذي يقضي وقته بين قطر وبيروت. وحسب الاستخبارات الإسرائيلية، نشطاء حماس في بيروت جددوا العلاقة مع حزب الله وهم ينشغلون في تمويل وتوجيه الخلايا التي تنفذ العمليات في الضفة الغربية.
إذا كانت إسرائيل تقف من وراء محاولة الاغتيال الفاشلة، فربما تكون هذه محاولة لإرسال رسالة رادعة لحماس وحزب الله. مؤخرا نسبت لإسرائيل عمليتا اغتيال لنشطاء من حماس، مازن الفقها الذي كان مخطط العمليات في الضفة قتل في غزة، ومحمد الزواري، وهو مهندس طيران تخصص في انتاج الطائرات من دون طيار، وتمت تصفيته بأيدي مجهولين في تونس.
هآرتس