عمران أدهم وخفايا اغتيال الحريري علم وخبر للمحكمة الدولية بقلم عدنان بدر حلو
رجل الأعمال السوري- الدولي عمران أدهم أصدر قبل فترة قصيرة كتابا يحمل عنوان: “النفاق الأميركي” توزعه “شركة شرق الأوسط لتوزيع المطبوعات”، يسلط فيه الضوء على كثير مما يدعي أنه مؤامرات ومخططات أمريكية في الشرق الأوسط والعالم .
لكن أخطر ما فيه هو ما يدعيه من أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا وراء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، ويورد في هذا المجال شهادات يقول إنها نقلت إليه شخصيا من أصحابها الذين كانوا مسؤولين كبارا في المخابرات الأميركية ويورد أسماءهم الصريحة ويؤكد في الوقت نفسه أنه يملك ما يوثق هذه الإفادات وهو مستعد لعرضه إذا لزم الأمر. إذ يقول حرفيا:”علما أنني أحتفظ بعناية بالمستندات التي رفدتني بالمعلومات والأسرار الكبيرة والصغيرة. وأنا على استعداد كامل للكشف عنها إذا لزم الأمر” ص 78.
ثم يقول:
“أبدأ بحادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وهي قضية لا تزال مفتوحة في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. جون بيركنز، أحد كبار المسؤولين في المخابرات المركزية الأميركية (قبل تقاعده) روى لي القصة كاملة وأنقل وقائعها على لسانه. قال: الصاروخ الصغير الحجم الذي أطلق من البحر باتجاه موكب الرئيس رفيق الحريري، كان يحتوي على الأورانيوم المخصب، وهو ذو قدرة تدميرية شديدة. وهذا النوع من الصواريخ لا تملكه إلا الولايات المتحدة وألمانيا وإسرائيل. والمسؤول عن موكب الحريري كان يعرف جيدا “ساعة الصفر”. ولأنه كان يعرف فقد امتنع عن مرافقته عندما كان يستعد للانتقال من مجلس النواب إلى دارته في قريطم، بل إنه هو الذي أشار على الموكب بسلوك الطريق البحري في طريق العودة“.
ثم يضيف :
“وبشيء من التفصيل قال بيركنز: إن الأقمار الأميركية والإسرائيلية صورت عملية الاغتيال، إضافة إلى طائرة هليكوبتر إسرائيلية كانت في الجو في محاذاة الشاطئ اللبناني، تراقب سير العملية. وقد رفضت الإدارة الأميركية أن تتولى لجنة تحقيق لبنانية التحقيق في العملية. وفي تلفيق التهم تم اختيار المحقق الألماني ديتليف ميليس كي يرأس “لجنة تحقيق دولية” وافق على تشكيلها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان”. ص 80.
ويقول أيضا:
“وبالمناسبة أقول (والكلام لبيركنز) إن سيارة الحريري كانت مزودة بأجهزة رصد تقنية متقدمة لا تستطيع أي دولة- باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل- تعطيلها. مهمة التعطيل هذه أوكلت إلى الباخرة الإسرائيلية التي كانت ترابط على حدود المياه الإقليمية اللبنانية، تساندها من الجو طائرة “أواكس” أميركية وهليكوبتر إسرائيلية”. ص 81.
ثم يقول في الصفحة 84:
“أعود إلى اغتيال الحريري، على لسان بيركنز إياه لأتوقف عند ما قاله المحقق السويدي في طاقم المحكمة الدولية بو أستروم، وهو كبير المحققين ونائب رئيس فريق التحقيق، من أن الإسرائيليين والأميركيين رفضوا تزويد التحقيق بالصور التي التقطتها الأقمار، ما يحمل دلالات مهمة على أن واشنطن لا تريد الإسهام في كشف الحقيقة. لقد اكتفت الحكومة الأميركية بالقول إن” مشاكل تقنية حصلت خلال فترة اغتيال الحريري ولهذا السبب لم نحصل على أي معلومات حيوية”. ولعل الأمر مجرد سياسة“.
ثم يتوقف صاحب الكتاب أمام إفادة لمسؤول سابق آخر في المخابرات المركزية الأمريكية هو دافيد وين الذي يصفه بأنه كان مسؤولا طوال ثماني سنوات على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى آخر أيار 2014. فيروي التالي:
“قال لي وين إن أسبابا عدة تجمعت وأدت في النهاية إلى اتخاذ القرار، وأبرز هذه الأسباب اقتناع إسرائيل بأن الحريري حجر عثرة في وجه خططها الاقتصادية والسياسية على السواء، وبأنه شخصية عربية قوية تتمتع بحضور مؤثر على المستويين الإقليمي والدولي, لقد نسج الرجل شبكة علاقات بالغة الأهمية، عربيا وأوروبيا وأميركيا، وظفها في مساندة المقاومة ومساندة سوريا، كما وظفها في خدمة لبنان وتعزيز دوره المالي والاقتصادي كقطب جاذب للرساميل والاستثمارات الخليجية. وما حصل عقب الاكتشافات النفطية الأخيرة، أن لجنة أمنية-سياسية نبهت الحكومة الإسرائيلية إلى أن وجود الحريري في الحكم سوف يتسبب بمتاعب لإسرائيل، خصوصا في عملية ترسيم الحدود بين قبرص ولبنان، الأمر الذي يضع الدولة العبرية أمام ما يشبه “الأمر الواقع” في ما يتعلق بحجم ثروتها النفطية والغازية. وقد ورد في التقرير بالحرف الواحد: لا بد من التخلص من هذا الرجل، لأن تطلعاته وطموحاته لا تنسجمان مع تطلعاتنا وطموحاتنا ونظرتنا إلى مستقبل المنطقة ودور إسرائيل في المدى الإقليمي“.
ويضيف بعد ذلك:
“وفي هذا الصدد يقول ديفيد وين المشاورات كانت تجري بين أعضاء الحكومة التي تعتبر المصدر الأساسي لكل القرارات الإسرائيلية الكبرى، أدت إلى اقتناع متزايد بأن بقاء الحريري على قيد الحياة يشكل خطرا حقيقيا على مطامع إسرائيل المستقبلية، لكن أي قرار باغتياله يفترض أن يأخذ في الاعتبار التداعيات السياسية المحتملة لأن العلاقات التي نسجها عربيا وإسلاميا ودوليا بالغة التأثير. وطوال أسابيع عدة كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يتشاور مع القيادات الأمنية في الصيغة الفضلى لتصفية الحريري من دون إلحاق الضرر بإسرائيل. وبعد مداولات طالت استقر الرأي على اغتيال الرجل في بلد أوروبي أو عربي، لكن خبراء “الموساد” رفضوا هذا التوجه لأنه قد يرتب عواقب وخيمة على إسرائيل. هنا اقترح رئيس الوزراء أرييل شارون استبدال كل الخطط الموضوعة بخطة تقضي بتنفيذ العملية داخل بيروت وبذلك تصيب إسرائيل عصفورين بحجر واحد: التخلص من الرجل والتأسيس لصراع داخلي طويل في لبنان بين أنصار الحريري من جهة ومؤيدي سوريا و”حزب الله” من جهة أخرى، ما يؤدي إلى انسحاب القوات السورية في نهاية المطاف ، ومذهبة الصراع السياسي الداخلي”. ص87.
الدور الأمريكي:
“وفي خلال أيام قليلة، يضيف وين، وضعت خطة بديلة تم رفعها إلى الحكومة المصغرة في أواخر العام 2004، وفي أثناء مناقشة هذه الخطة تم تنبيه الحكومة إلى أن الحريري يستعين في تأمين حمايته الشخصية بأجهزة إلكترونية متطورة، يتطلب تعطيلها مساعدة أميركية وتعاونا من الدائرة المقربة منه، من أجل ضمان نجاح العملية. وعندما قدمت إسرائيل إلى الدوائر الأميركية المختصة اقتراحا يقضي بالتعاون مع الأجهزة الأميركية في تنفيذ العملية، بكل حيثياته الأمنية والإستراتيجية، وافقت ال CIA على هذا الاقتراح. وعندما حملته كونداليزا رايس وزيرة الخارجية إلى الرئيس جورج بوش، ناقش بوش المسألة مع نائبه ديك تشيني، ثم اتصل بوالده جورج بوش الأب يستمزجه رأيه في القرار. وما حصل أن بوش الأب اعترض على العملية وقال: إن الفائدة من هذا الاغتيال محدودة لكن عواقبها كبيرة. وبالحرف الواحد قال الأب للإبن: إن تصفية الحريري سوف تخلق مشاكل مع جهات عدة، بدءا بالرئيس الفرنسي جاك شيراك والملك فهد بن عبد العزيز وولي عهده القوي عبد الله، وقادة عرب وأوروبيين آخرين. عندها رفض جورج دبليو بوش إشراك بلاده في العملية ونصح الإسرائيليين بالعدول عنها“.
“عندما تلقت إسرائيل الرفض الأميركي اتصل شارون بكونداليزا رايس بقصد إقناعها بمدى خطورة الحريري على مخططات إسرائيل النفطية والأمنية، لأنه على علاقة حميمة ب”حزب الله”. ومما قاله نحن لا نزال ندرس الإجراءات العسكرية الممكنة لضرب بنية”حزب الله”، لكن الحريري يتصدى لهذا المسعى. إنه يعرقل مشاريعنا الأمنية والاقتصادية ولا بد من إزاحته“.
ويضيف صاحب الكتاب قائلا نقلا عن وين:
“أعود إلى الاغتيال. بعد المكالمة الهاتفية الطويلة بين شارون ورايس وعدت رايس بالحصول على موافقة الرئيس الأميركي ونائبه ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع وليون بانيتا بصفته مستشارا أمنيا. وعندما رتبت وزيرة الخارجية هذا اللقاء الرباعي أعيد فتح ملف الاغتيال، فقال تشيني: إن الملك فهد وولي عهده (رجل القرار في تلك المرحلة) لا تربطهما علاقة جيدة بالحريري، وتصفيته لن تثير مشكلة مع المملكة. وأضاف: إن عبد الله لا يستسيغ كثيرا علاقات شقيقه الملك بالحريري، وبصورة خاصة على المستوى المالي، ويمكن امتصاص غضبه واحتواء رد فعله إذا حصل. أما شيراك فيمكن إقناعه- سواء نجحت العملية أم فشلت- بأن سوريا التي تمسك كل الخيوط في لبنان هي التي نفذت الاغتيال، ويمكن إعداد إخراج ملائم لهذا الإقناع. أما ردود الفعل العربية والأوروبية الأخرى فليست ذات قيمة ولن تؤثر على مصالحنا في المنطقة، علما أن إسرائيل تمكنت من احتواء ردود الفعل التي حصلت بعد الاغتيالات التي نفذتها في العالم العربي. وهكذا تم إقناع الرئيس بوش بجدوى العملية بعد شرح كامل للخطة استغرق أكثر من ثمانين دقيقة” ص 88.
وبعد ذلك يتحدث وين عن نقل رايس للموافقة إلى المسؤولين الإسرائيليين وعن التعاون الذي تم بين أجهزة الدولتين بما لا بخرج عما كان بيركنز قد رواه سابقا.
هذه الرواية الخطيرة، المنشورة في كتاب موقع من رجل أعمال سوري- دولي كبير ومعروف في مختلف أوساط رجال الأعمال والسياسة على المستوى الدولي، والمنسوبة لمسؤولين كبار سابقين في المخابرات المركزية الأمريكية، ألا تستحق من محكمة لاهاي الدولية الخاصة بلبنان أن توليها شيئا من الاهتمام، وهي التي لا تستنكف عن مساءلة صحافي أو إعلامي لبناني تناول بأقل من ذلك بكثير بعض المعلومات عن مجرى المحاكمات وبعض شهودها شبه المجهولين!!