تطورات عسكرية وتقنية لافتة في المسرحين اليمني والسوري د.منذر سليمان
في مطلع العام الجديد تزاحمت أنباء استخدام تقنيات عسكرية جديدة في سوريا واليمن تحديداً مع التطورات المتسارعة في واشنطن وما تعده من تدابير ضد شبه الجزيرة الكورية، وتنبؤات العديد من المسؤولين بحرب نووية وشيكة، كما هدد الرئيس الاميركي بها بيونغ يانغ .
سنلقي نظرة مركزة على تحول “الشرق الأوسط” الى ساحة تجارب لتقنية الأسلحة العسكرية المختلفة، نستعرض فيها تقنية طائرات الدرونز التي استخدمها المسلحون في سوريا ضد قاعدتي روسيا في سوريا، البحرية في طرطوس والجوية في حيميم. وكذلك تسليط الضوء على دخول سلاح مضاد الطائرات في اليمن لأول مرة بفعالية ضد مقاتلات دول التحالف الذي تقوده السعودية، واستهداف اليمن للرياض بتقنية دقيقة للصواريخ الباليستية.
التقنية اليمنية
افادت مصادر عسكرية مقربة من اليمن أن سلاح الجو وبطاريات الدفاع الجوي استطاعت إنتاج نظام صاروخي محلي التصنيع دخل الخدمة لحماية العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية الغربية من الغارا الجوية السعودية.
كما أفادت الأنباء يوم 8 كانون الثاني / يناير الجاري اسقاط اليمن لطائرة سعودية مقاتلة من طراز إف-15 كانت تغير على صنعاء. وسبق ذلك النبأ بساعات قليلة إعلان سلاح الجو اليمني عن اسقاطه مقاتلة حربية أخرى متعددة المهام القتالية من طراز تورنيدو.
وتثبّ العالم أجمع من صدقية سلاح الجو اليمني بنشره شريط فيديو للحظات اسقاطه طائرة الأف-15، مستخدماً تقنية أميركية “التطلع للأمام بالأشعة تحت الحمراء – فلير” المخصصة للطائرات المروحية.
التقنية، كما تدل البيانات العسكرية، مزودة بجهاز استشعار ينتج صورة الجسم المستهدف بتتبعه الموجات الحرارية تحت الأشعة الحمراء المنبعثة، ويعتقد أن اليمن استطاع إدخال تعديلات عليها ونصبها على منصة إطلاق أرضية.
الإجابة على التساؤول من أين حصل المقاتلون اليمنيون على تقنية (فلير) كانت محور تكهنات مستمرة، ألقت نشرة ذي درايف الأميركية المختصة بعض الضوء بالقول أن اليمن حصل على شحنة معدات عسكرية أميركية، تموز/يوليو 2009، وفق برنامج “المبيعات العسكرية الخارجية” الذي تشرف عليه البنتاغون. وأضافت أن تلك الصفقة شملت ثلاث منصات (فلير ألترا 8500) كجزء من حزمة معدات أخرى قيمتها 3.7 مليون دولار لتحديث اسراب الطائرات المروحية القديمة من طراز “هيوي 2.”
بيد ان بعض الخبراء العسكريين ألقوا ظلالاً من الشك على ذلك التكهن بالقول أن نظم (فلير) المنصوبة على الطائرات المروحية هي أكبر حجماَ بكثير من تطويع استخدامها في ظروف سلاح أرض – جو؛ فضلاً عن ما يرافق التعديل من تحديات تقنية أخرى كربط جهاز التصوير الحراري بنظام كمبيوتر يستطيع تتبع مسار الجسم الطائر والتنبؤ بحركة طيرانه بسرعة عالية، وامتلاك قدرة المناورة لاطلاق صاروخ ضد الهدف.
من ميزات نظام (فلير) قدرته على الرؤيا عبر سحب الدخان والضباب مما يتيح لأطقم الاخصائيين استخدامه لمهام الاستشعار والإنذار وارسال البيانات لنظم الدفاع الجوي للمديات القصيرة.
يرجح الأخصائيون استخدام الجيش واللجان الشعبية اليمنية نظم دفاع جوي محمولة (مانباد)، كما جرى التثبت منه باسقاطهم طائرة درونز من طراز MQ-9 في شهر تشرين الثاني /اكتوبر الماضي. ومن غير المستبعد تمكن القوات اليمنية إدخال تعديلات على صواريخ جو – جو الموجهة بالأشعة تحت الحمراء، والتي كانت في حوزة الجيش اليمني؛ بيد أنها غير ملائمة لظروف ملاحقة اجسام طائرة تحلق على ارتفاعات عالية.
ترسانة اليمن فيها أسلحة ومعدات سوفيتية (روسية) الصنع، منها نظام (سام-2) لإطلاق صواريخ أرض – جو يتحكم بها جهاز رادار من طراز “فان سونغ فاير.” ترددت أنباء حديثاً عن استطاعة الجيش واللجان الشعبية إعادة تفعيل نظام واحد على الأقل من هذا الطراز واستخدام أسلحة موجهة بأشعة الراديو لاسقاط طائرة درونز أميركية مطلع عام 2016. بيد أنن لم يتم التثبت من صحة الأنباء.
ما يعزز فرضية استخدام اليمن لبطاريات سام-2 هو قدرتها على الإفلات من الصواريخ والبالونات التمويهية التي تطلقها الطائرات الحربية للخداع، وكذلك استخدام قائد الطائرة المستهدفة للدفع النفاث الإضافي مما نتج عنه تموجات أوسع للأشعة تحت الحمراء من السابق كي يلحق بها صاروخ حراري.
وربما أصابت طاقم المقاتلة الحربية حالة ارتباك وعدم القدرة على التمييز بما يتتبع مساره سواء أشعة رادار أو صاروخ موجه بالأشعة تحت الحمراء.
حافظ اليمن على سرديته منذ بدء العدوان السعودي عليه بأن لديه مخزون من صواريخ سكود بنماذج متعددة، وما يرافقها من نظم توجيه متطورة تعزز دقة التصويب. الأمر الذي أتاح الفرصة للجيش واللجان الشعبية اطلاق صواريخ باليستية بنجاح على الرياض، والتي تبعد نحو 800 كلم عن الحدود اليمنية.
يرجح الخبراء العسكريون نصب معدات بصرية متطورة على صواريح سكود اليمنية وظيفتها إجراء مقارنة بين الهدف المرئي خلال التحليق فوق تضاريس مختلفة مع الخريطة المعدة مسبقا في ذاكرة الكمبيوتر على متنها. الأجهزة البصرية تلك هي من إنتاج مؤسسة روسية “سرية” تعرف بـ معهد الأبحاث والعلوم المركزية.
مؤسسات التصنيع العسكري الروسية المختلفة تنشط في بلدان “الشرق الأوسط” لبيع منتوجاتها لدول متعددة من بينها سوريا وإيران؛ ابرزها عرض موسكو لمعدات توجيه بصرية تنصب على صواريخ سكود والتي باستطاعتها اختراق الجدار الإلكتروني الواقي الحامي لنظم الدفاعات الجوية الأميركية و”الاسرائيلية،” الباتريوت نموذجاً.
المدير العام لمعهد الأبحاث الروسي المذكور، فيكتور سوليونين، يشير إلى أن المؤسسة تنتج صواريخ سكود منذ عام 1968، ويؤكد أن معدات توجيه بصرية متطورة منصوبة على صواريخ سكود صممت على الانفصال في محطة التحليق الطرفية لمسار الصاروخ مما يوفر لها فرصة للإفلات من الصواريخ الدفاعية القادمة.
يشار إلى أن رحلة إعادة دخول الصاروخ على الهدف تبدأ على ارتفاع 100 كلم وفيها تنفصل المركبة الحاملة لرأس الصاروخ وتتجه نحو الهدف بمعدل سرعة عالية تصل إلى 4 كلم / ثانية.
وأضاف المدير العام أن نماذج سكود المطورة تتمتع بدقة إصابة أعلى من سابقاتها “بدائرة خطأ لا تتجاوز 10-20 متراً، بصرف النظر عن المدى النهائي للإطلاق؛” وهي مزودة بنظم توجيه بصرية باستطاعتها إجراء مسح ضوئي للتضاريس التي تقطعها ومقارنتها مع بيانات الهدف المخزنة خلال المرحلة النهائية، فضلاً عن قدرتها على تعديل مسار التحليق لتفادي الشباك الالكترونية. ويشير آخرون إلى أن تلك المعدات المتطورة لديها مناعة ضد التشويش الإلكتروني وتدابير أخرى مضادة.
سوريا
في تصريح نادر، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إحباطها لهجوم ضخم شاركت فيه 13 طائرة مسيّرة – درونز “محملة بالمتفجرات” وُجهتها قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية، 6 كانون2 / يناير الجاري؛ أقلعت من قرية (موزرة) في ريف إدلب الجنوبي الغربي. وأضافت أنه تزامن مع توقيت الهجوم رصد “تحليق طائرة إستطلاع أميركية من طراز بوينغ P-8 (بوسايدون) فوق البحر المتوسط لأكثر من أربع ساعات على إرتفاع 7000 متر بين قاعدتي طرطوس وحميميم.”
وسائل الدفاع الجوية الروسية أسقطت 7 طائرات مهاجمة ونجحت في التحكم الإلكتروني بالطائرات الست الأخرى وقادتها للهبوط في منطقة سيطرة القوات الروسية دون أضرار.
التزمت روسيا لغة الحذر من توجيه إتهامات محددة، واكتفت بالقول أن تقنية برمجة وحدات التحكم في طائرات الدرونز والقاء حمولتها من المتفجرات عبر نظام تحديد المواقع، GPS، يتطلب الحصول على شهادة هندسة من إحدى الدول المتقدمة تقنياً، ولا يمكن للعامة الحصول على الإحداثيات الدقيقة من بيانات الإستطلاع المتوفرة للأقمار الإصطناعية؛ كرد على نفي وزارة الدفاع الأميركية أي دور لها وبأن تلك المعدات “يمكن الحصول عليها من السوق،” وفق تصريح المتحدث باسم البنتاغون آدريان رانكين – غالاوي.
وشدد إعلان وزارة الدفاع الروسية على أن الحادث هو “الأول الذي يستخدم فيه الإرهابيون طائرات مقاتلة مسيّرة أقلعت من مسافة أبعد من 50 كلم، وحلقت بالإعتماد على بيانات الملاحة الجوية في الأقمار الإصطناعية .. وحمولتها من المتفجرات تحمل فتيل تفجير من صناعة أجنبية؛ مما يدل على تلقي الإرهابيين دعماً تقنياً متطوراً للقيام بالهجوم.”
الأخصائي الأميركي في الشؤون السورية، آرون لاند، من خلال موقعه في مؤسسة القرن الأميركية أعرب عن شكوكه في سيل التحركات النشطة بين صفوف المسلحين في تلك المنطقة بالقول “هناك عدد كبير من التحركات المشبوهة الجارية في إدلب – عملاء يتحركون بحرّية، ومجموعات تتعاون مع أخرى لا تتشاطر معها في الأهداف والوسائل.” وربما، أضاف موضحاٌ، جرى تمويه طائرات الدرونز بمظهر صناعة محلية أما حمولتها فكانت من أفضل ما أنتجته التقنية الحديثة؛ ومداها يقرب من 100 كلم.
وأضاف أن نوعية المتفجرات المستخدمة، RDX، لا يمكن لمقاتلين هواة تسلمها واستخدامها، وهي من صنع مؤسسات عسكرية محدودة في العالم، إحداها مصنع في اوكرانيا.”
وشاطره الرأي خبراء أميركيون في علم الطيران بالقول أن من بين المعدات المتطورة على متن الدرونز كانت أجهزة استشعار للضغط الجوي تساعد الطائرة على المضي إلى هدفها المحدد مسبقاً، وأجهزة جيروسكوب أو البوصلة الدوارة مما يضيف إلى الخطورة النوعية التي حملتها طائرات الدرونز، خاصة لميزة تحصينها ضد أجهزة التشويش الإلكتروني – أمر غير متوفر في “السوق المفتوحة.”
الناطق باسم البنتاغون رانكين – غالاوي صرح لوكالة “سبوتنيك” الروسية للأنباء أن تقنية مشابهة لطائرات الدرونز المعنية استخدمها تنظيم الدولة الإسلامية في سلسلة مهام قتالية. ما لم يوضحه الناطق هو كيف له أن يستنتج بيقين عن طبيعة المعدات والتقنية المحمولة في الهجوم على المنشآت الروسية! ربما هو تأكيد غير مباشر على دور طائرة الإستطلاع الأميركية، بوسايدون، في توفير الدعم والملاحة الجوية للسرب المهاجم.
ومن المرجح أيضاً أن الولايات المتحدة تمضي في “اختبار” الدفاعات الجوية الروسية لإختراقها والتغلب عليها، إن استطاعت، والإعداد لدعم هجوم أوسع لاحقاً.