الحرب العالمية الدائمة في 76 بلدا بذريعة الإرهاب : توم إنجلهاردت
وصل نائب الرئيس الامريكي مايك بنس إلى أفغانستان في زيارة غير معلن عنها للقوات الامريكية المتمركزة هناك ولإجراء محادثات مع الرئيس الأفغاني أشرف غني، وقال بنس أمام تجمع للجنود بحظيرة مطار في قاعدة باجرام الجوية إنه يقوم بالزيارة قبل أربعة أيام من عيد الميلاد نيابة عن القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس الامريكي دونالد ترامب. وتابع بنس “تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب فإن القوات المسلحة الأمريكية ستظل منخرطة في أفغانستان حتى نقضي على التهديد الإرهابي لوطننا وشعبنا بشكل نهائي”.
يذكر ان الولايات المتحدة لديها حوالى 15 الف جندي متمركزين في البلاد كجزء من قوات حليفة تقاتل حركة طالبان والجماعات الإرهابية. ومنذ تشرين الأول / أكتوبر 2001 وواشنطن تشن حربها على الارهاب، في بلد واحد وهو البلد الذي دخلته ضد الاتحاد السوفيتي، وقامت خلالها بتمويل ودعم المجموعات المتطرفة من الجماعات الأصولية الإسلامية، بما في ذلك الشاب السعودي المعروف باسم اسامة بن لادن.
وبحلول العام 2001 وفي أعقاب تلك الحرب التي ساعدت على ابعاد الاتحاد السوفييتي، كانت أفغانستان تحت حكم طالبان إلى حد كبير (ولكن ليس تماما). كان أسامة بن لادن هناك أيضا، مع طاقم متواضع نسبيا من الأفواج. وبحلول أوائل العام 2002، هرب إلى باكستان، وترك العديد من رفاقه قتلى وتنظيمه في حالة من الفوضى. وطالبت طالبان بالسماح لهم بإلقاء أسلحتهم والعودة إلى قراهم.
ولكن على ما يبدو كانت الخطة معدة للحصول على مكاسب في جميع أنحاء المنطقة. وكان لدى كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش ونائب الرئيس ديك تشيني حلم جيوسياسي من الدرجة الأولى حول توسيع هذا النجاح – وأشار وزير الدفاع دونالد رامسفيلد فقط بعد أيام من هجمات 11 أيلول / سبتمبر – ان الإرهاب أو الجماعات المتمردة موجودة في أكثر من 60 بلدا. وكانت هذه النقطة التي اكد عليها الرئيس بوش بعد تسعة أشهر في خطاب تخريج انتصاري في ويست بوينت. في تلك اللحظة، كان قد بدأ مشروع “الحرب العالمية على الإرهاب”. لكنهم كانوا عميقين بالفعل في الاستعدادات لتمديدها بطرق أكثر جذرية ومدمرة مما كان يمكن أن يتخيله المرء مع غزو واحتلال العراق والهيمنة على قلب نفط الكوكب. ونقلت صحيفة نيوزويك عن مسؤول بريطاني قريب من فريق بوش قوله “الكل يريد الذهاب الى بغداد، ويريد الرجال الحقيقيون الذهاب الى طهران”..
بعد سنوات عديدة، ربما لن يفاجئك ذلك – لأنه ربما لم يفاجأ مئات الآلاف من المتظاهرين الذين نزلوا الى شوارع المدن والبلدات الأمريكية في أوائل العام 2003 لمعارضة غزو العراق – أن هذا كان واحدا من تلك القصص التي ينطبق عليها القول “كن حذرا في ما تتمنى”.
رؤية الحرب
هذه القصة لم تنته بعد. ليس بالمدى المنظور، سنشهد في عصر ترامب على أطول حرب في التاريخ الأميركي، فالمشاركة العسكرية الاميركية في تلك البلاد تتزايد، والضربات الجوية تتصاعد. حيث تسيطر حركة طالبان على أجزاء كبيرة من البلد، وهي جماعة إرهابية تحمل اسم “الدولة الإسلامية” وتنتشر على نحو أكثر في مناطقها الشرقية، ووفقا لأحدث تقرير من البنتاغون “أكثر من 20 جماعة إرهابية أو متمردة متواجدة في أفغانستان وباكستان“.
20 مجموعة هذا الرقم مثير. فبعد سنوات عديدة، ينبغي النظر إلى الحرب على الإرهاب على أنها ممارسة لا نهاية لها في استخدام جداول الضرب – وليس في أفغانستان فقط. بعد أكثر من عقد ونصف بعد أن تحدث الرئيس الأمريكي عن 60 بلدا أو أكثر كأهداف محتملة، بفضل العمل القيم الذي قامت به مجموعة واحدة متخصصة، مشروع تكاليف الحرب في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، لديها تمثيل مرئي للمدى الحقيقي للحرب على الإرهاب. كان علينا أن ننتظر وقتا طويلا قبل أن تخبرنا شيئا عن طبيعة هذه الحقبة من الحرب الدائمة.
http://www.tomdispatch.com/images/managed/costofwar_projectmap_small2.jpg” height=”290″ width=”376″>
وقد أنتج مشروع تكاليف الحرب ليس فقط خريطة للحرب على الإرهاب، 2015-2017 (صدرت في تومديسباتش مع هذه المادة)، ولكن الخريطة الأولى من نوعها على الإطلاق. وهي تقدم رؤية مذهلة لحروب واشنطن ضد الإرهاب في جميع أنحاء العالم: انتشارها، ونشر القوات الأمريكية، والبعثات الموسعة لتدريب قوات مكافحة الإرهاب الأجنبية، والقواعد الأمريكية التي تجعلها ممكنة، والطائرات بدون طيار والغارات الجوية الاخرى الضرورية لها، والقوات القتالية الأمريكية تساعد على محاربتهم. (بطبيعة الحال، تحولت جماعات الإرهاب إلى نطاق واسع وشرعت كجزء من العملية نفسها).
لمحة عن الخريطة تخبرك بأن الحرب على الإرهاب، هي مجموعة متزايدة التعقيد من الصراعات المتشابكة، وهي الآن ظاهرة عالمية ملحوظة. وهي تمتد من الفلبين (مع مجموعة خاصة بها تحمل اسم داعش، خاضت حملة استمرت خمسة أشهر تقريبا دمرت المراوي، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 300.000 نسمة) من خلال جنوب آسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غرب أفريقيا حيث توفي أربعة فقط من القبائل الخضراء في كمين في النيجر.
ولا يقل استغرابا هو عدد الدول التي دخلتها واشنطن بطريقة ما خلال حربها على الإرهاب. والآن مشروع الحرب منتشر في ما لا يقل عن 76 بلدا، أي ان 39 في المائة من سكان كوكبنا يشاركون في ذلك الصراع العالمي. وهذا يعني أماكن مثل أفغانستان وسوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا حيث تكون الطائرات الأمريكية بدون طيار أو غيرها من أدوات الضربات الجوية والقاعدة والقوات البرية الأمريكية (غالبا ما تكون من قوات العمليات الخاصة) تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في القتال. وهناك أيضا بلدان تستضيف المستشارين الاميركيين لتدريب الجيوش المحلية أو حتى الميليشيات في تكتيكات مكافحة الإرهاب وتلك التي لها قواعد حاسمة في هذه المجموعة المتسعة من الصراعات. وكما توضح الخريطة، غالبا ما تتداخل هذه الفئات.
من الذي يمكن أن يتفاجأ بمثل هذه “الحرب” التي اكلت دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين. وفي دراسة منفصلة نشرت في نوفمبر / تشرين الثاني، قدر مشروع تكاليف الحرب أن ثمن الحرب على الإرهاب (مع بعض النفقات المستقبلية المدرجة) قد وصل بالفعل إلى 5.6 تريليون دولار، إلا أن الرئيس ترامب الذي صعد الآن تلك الصراعات، تحدث في وقت قريب مؤخرا عن رقما أكثر إثارة: “بعد أن أنفقنا بحماقة 7 تريليون دولار في الشرق الأوسط، حان الوقت للبدء بإعادة بناء بلدنا!”.
هذا ليس تعليقا نادرا من سياسي أمريكي، ففي هذه السنوات شهدنا عدة تقييمات حول التكاليف النقدية والبشرية للحرب. والواقع أن الحرب على الإرهاب قد انتشرت على نحو ما ترسمه خريطة اليوم، مع عدم جدية النقاش بشأن تكاليفها أو نتائجها. إذا كانت الوثيقة حول تكاليف الحرب خريطة من الجحيم، هي أيضا أول خريطة واسعة النطاق لهذه الحرب.
فكر في ذلك للحظة. على مدى السنوات الـ 16 الماضية، الشعب الأمريكي مول هذه المجموعة المعقدة من الصراعات بتريليونات الدولارات، ولكن في كل تلك السنوات، لم يكن بإمكان أي أميركي أن يرى صورة لهذا الصراع الغريب والدائم الذي لا نهاية له في الأفق.
جزء من هذا يمكن تفسيره بطبيعة هذه “الحرب”. لا توجد جبهات، لا تقدم للجيوش، لا أسطول على اليابسة. لم يكن هناك، كما هو الحال في كوريا في أوائل 1950. في هذه الحرب لم يكن هناك تراجع واضح، وبعد دخول المنتصر إلى بغداد في العام 2003، لم نحرز سوى القليل من التقدم.
كان من الصعب حتى أن نرسم خريطة للفصول الأساسية، وعندما فعلت – كما حدث في خريطة آب / أغسطس في نيويورك تايمز للأراضي التي تسيطر عليها طالبان في أفغانستان – كانت الصور معقدة ومحدودة الأثر. بيد أننا عموما، نحن الشعب، قد تم تسريحنا بكل طريقة ممكنة تقريبا في هذه السنوات، حتى عندما يتعلق الأمر ببساطة باتباع مجموعة لا حصر لها من الحروب والصراعات التي تقع تحت عنوان الحرب على الإرهاب.
خرائط الـ 2018 وما بعدها
اسمحوا لي أن أكرر، قبل ما يقرب من سبعة عشر عاما، كانت هناك حرب واحدة اما الآن العدد هو 76 حربا ووالرقم في ارتفاع. وفي الوقت نفسه، تحولت المدن الكبرى إلى ركام. فقد نزح عشرات الملايين من البشر من ديارهم، ولا يزال اللاجئون بالملايين يعبرون الحدود، ويثيرون مزيدا من القلق على الأراضي، وأصبحت الجماعات الإرهابية أسماء تجارية عبر أجزاء كبيرة من الكوكب، ولا يزال عالمنا الأميركي عسكريا.
وينبغي اعتبار ذلك نوعا جديدا من الحرب العالمية الدائمة. من المهم أن نحاول أن نتصور ما يحدث، لأننا نواجه نوعا جديدا من الكوارث، عسكرة كوكبية من نوع لم نره من قبل. وبغض النظر عن “النجاحات” في حرب واشنطن، بدءا من غزو أفغانستان في العام 2001 ولاحقا بغداد في العام 2003 إلى التدمير الأخير ل “الخلافة” في سوريا والعراق، يبدو أن الصراعات لا تتغير ولا تتعثر.
نحن الآن في حقبة يكون فيها الجيش الأميركي هو في طليعة ما كان يسمى “السياسة الخارجية” الأمريكية. حيث تم نشر قوات العمليات الخاصة الأمريكية في 149 دولة في العام 2017 وحده، والكثير من القوات في القواعد الاميركية حول العالم، بالوقع البنتاغون مسؤول عن مكان وجود 44.000 منهم. و قد لا يكون هناك أي وسيلة لتخطيط كل هذا، على الرغم من أن مشروع تكلفة الحرب هو انتصار لما يمكن رؤيته.
وبالنظر إلى المستقبل دعونا نصلي من أجل شيء واحد: أن الناس في هذا المشروع لديهم الكثير من القدرة على التحمل، نظرا لأنه في سنوات ترامب تكاليف الحرب سوف ترتفع. ميزانية البنتاغون الأولى لحقبة ترامب، التي تم إقرارها بإجماع الحزبين من قبل الكونجرس والتي وقعها الرئيس تبلغ 700 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، يبدو أن رجال الجيش الأميركيين الرئيسيين والرئيس يصعدون نزاعات البلاد من النيجر إلى اليمن، الصومال إلى أفغانستان، ويبدو انهم يبحثون عن المزيد من الحروب لإطلاقها.
وفي اشارة الى روسيا والصين وايران وكوريا الشمالية على سبيل المثال، قال القائد العام للقوات البحرية روبرت نيلر مؤخرا للقوات الاميركية في النرويج انه يتوقع “معركة بيغاس” في المستقبل مضيفا “آمل ان اكون مخطئا”. وفي ديسمبر / كانون الأول، اقترح المستشار الأمني العام اللفتنانت جنرال ماكماستر أن احتمال حدوث حرب مع كوريا الشمالية كيم جونغ أون “يتزايد كل يوم “. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الرئيس ترامب يستعد لتمزيق صفقة إيران النووية، ربما في وقت مبكر من هذا الشهر.
وبعبارة أخرى، في العام 2018 وما بعده قد تكون هناك حاجة إلى خرائط من الأنواع الإبداعية لمجرد البدء في حروب أمريكا الحديثة. ولننظر على سبيل المثال، في تقرير صدر مؤخرا في صحيفة “نيويورك تايمز” عن أن حوالي 2000 موظف في وزارة الأمن الداخلي “منتشرون بالفعل في أكثر من 70 بلدا في جميع أنحاء العالم”، إلى حد كبير لمنع الهجمات الإرهابية.
مرحبا بكم في العام 2018، سنة أخرى من الحرب التي لا تنتهي….
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد- ناديا حمدان
