في أي عصر نعيش ؟
غالب قنديل
بينما يتصاعد الضجيج والعجيج السياسي وتتحضر آلة الانتخابات النيابية عند سائر الأطراف إلا ما وعدت به الحكومة من تدابير فرضها قانون الانتخاب النسبي يتصاعد الأنين الشعبي من معاناة خانقة ومستمرة في شتى وجوه الحياة وضرورياتها وببساطة وبعد حوالي السنة من الانتظار لا حلول جدية مما وعدت به الحكومة لمشاكل الكهرباء والمياه والنفايات ونزيف الشباب إلى المغتربات بحثا عن فرص العمل بل حتى لا خطوات عملية تعد بالسير الجدي في طريق الحلول وكل الكلام الجاري جدل بيزنطي ولغو بلا جدوى والدليل الأبسط والأقرب هو ارتفاع أصوات التحذير مجددا من طوفان النفايات في الشوارع لأن السادة المعنيين لم يحضروا شيئا مما وعدوا به والأرجح ان يؤثروا التمديد لصفقات تقاسم التلزيمات التي جرت بعد الخضة الشهيرة وإذا لم يحصل ذلك سيكون السبب خلاف على صيغة جديدة للتقاسم.
في أي عصر نعيش؟ يحق للشعب اللبناني ان يطرح هذا السؤال وهو محكوم بالقلق على البديهيات التي يحظى بها الناس في بلدان أخرى كالماء والكهرباء ومعالجة النفايات وسلامة الغذاء والدواء والصرف الصحي ومحاربة التلوث في مجاري الأنهر التي اعتبرت سابقا نفط لبنان الخاص قبل الإفراج عن تقارير مكتشفاته النفطية التي حجزت أخبارها لسنوات بتدبير جهات أجنبية طامعة ووكلائها المحليين وقد تبين انها أرادت إفساح المجال أمام الكيان الصهيوني لمباشرة التنقيب في المياه الإقليمية الفلسطينية المحتلة والاعتداء على موجودات المياه الإقليمية اللبنانية.
في مدار حوالي ثلاثة عقود تعاقبت حكومات عديدة أغدقت الوعود الكثيرة في تلك المواضيع التي قيل دائما إنها تفاصيل لكنها لا تقل أهمية عن مستقبل الصناعة والزراعة والسياحة وكيفية توفير فرص العمل الجديدة للشباب المدفوع قسرا إلى الهجرة وهو نزيف مفتوح لا يجد من يهتم به رغم الثرثرة المتضخمة والخطابات الرنانة مع الاحترام الشديد لجميع أصحاب النوايا الحسنة.
الوسط السياسي منشغل بهموم أخرى والسلطة القائمة بمعظم مكوناتها تهوى التأجيل والمماطلة لتمديد أجل دورات المنافع وتقاسم المغانم عبر تعطيل الحلول الجذرية المأمولة فالاستثمار في الصيغ الموقتة التي تتحول دائمة بقوة الأمر الواقع أجدى وأجزل ربحا ومنفعة لمتقاضي العمولات.
منذ ما بعد الطائف والكهرباء وعد كاذب لا ينفذ وما أهدر من مليارات الديون في مشاريع وخطط متلاحقة يكفي لتكوين شبكات توليد وتوزيع تلبي أضعاف حاجة لبنان في ذروتها وهذه هي الحقيقة المرة التي يعيشها الناس مع استمرار التقنين وبقهر الفاتورتين اللتين يرغم اللبنانيون على دفعهما وجرى تدجينهم على ذلك بينما تمادت خصخصة القطاع بخدماته وبجبايته ومستقبلا ربما بمعامله ومحطاته وقد حصد النافذون الكثير من وراء عملية تدمير هذه الخدمة العامة التي هي عصب مفهوم الدولة في بلد تقتله العصبيات الطائفية المستولدة على مدار الساعة في كل شأن عام.
اما المياه الوافرة فقد يأتي يوم تتحول فيه إلى ذكرى بعدما تم تخريب هذا المرفق العام وصولا إلى البحر وشواطئه التي وضعت اليد عليها بلعبة تقاسم المغانم ذاتها ويستمر هدر الثروة المائية بتلويث الأنهار والينابيع التي تفيض اليوم بالسموم من تدفق المجاري إليها بشتى أنواع الفضلات البشرية والصناعية ولا توجد خطوة واحدة لمعالجة جذرية بل هو اللهاث خلف النتائج الكارثية المتراكمة وبالكاد يتم خفض مستوى المخاطر الداهمة صحيا وبيئيا وزراعيا والشاهد الشهيد هو نهر الليطاني الذي كان عنوان اشتباك تاريخي مع الكيان الصهيوني وموردا مأمولا لتنمية ونهوض اهم المناطق اللبنانية الزراعية في الجنوب والبقاع وهو اليوم شبه مقتول.
يشتري اللبنانيون المياه كما يشترون الكهرباء الموازية من أصحاب المولدات والخصخصة شغالة على قدم وساق تجد الصدى والتحفز في جمهور النافذين الجاهزين لاصطياد الفرص كما فعلوا في ملف النفايات الذي يختصر فضيحة تخلف النظام السياسي وتحجره وعقمه الشديد.
إن هذا التخلف المتأصل والناتج عن طبيعة النظام السياسي الطائفي وعن هيمنة الرأسمالية المصرفية والكومبرادورية الذيلية التابعة للخارج هو عبء على أي حياة إنسانية كريمة وحرة.
يجب ان يقال بوضوح لجميع القيادات والأحزاب والجهات مفتوحة الشهية على مواقع السلطة والمتخفزة إلى الانتخابات تفضلوا وأجيبوا على البديهيات قبل ان تلبكوا عقول الناس وأسماعهم ببرامج ضخمة ووعود طنانة لا قبل لكم بها فدعكم من الكلام الكبير والشعارات البراقة وحدثونا عن الحاجات الضرورية التي لا يحصل عليها اللبنانيون إلا بكلفة مضاعفة وهي حقوق بديهية في أي بلد عادي ومن واجبات الدول الطبيعية تأمينها لمواطنيها بكلفة بسيطة من غير منة أو وساطة … أقنعوا ناخبيكم بأنكم جديرون بإخراجهم من كهوف التخلف إلى شيء من الحياة الطبيعية والعادية ولا فضل لكم في ذلك.