بقلم غالب قنديل

خداع الفلك وكذبة الحرية

غالب قنديل

مع نهاية كل عام تطوف الشاشات ببرامج الفلك والتنجيم وضرب المندل بمعدلات تتخطى الإيقاع المعتاد في البرامج الإذاعية والتلفزيونية المكرسة لالتقاط فرص الموسم المربح وفي رحاب أيام قليلة تهطل على المشاهدين والمستمعين كمية هائلة من أسرار الغيب التي يفترض ألا يعرفها إلا الله حسبما يكرر المؤمنون ليل نهار.

يتحول المنجمون إلى نجوم في وسائل الإعلام يجري ترقب إطلالاتهم وما يجودون به من روايات وسيناريوات عما سيحصل من تطورات وما سيقع من حوادث في العام المقبل.

يسقط المؤمنون في سوء الحساب ويتبارى المنجمون على أغلفة الكتب والدعايات المزركشة ويستطيل طابور المنتظرين على أبواب ضاربي المندل من البصارات والبصارين الذين فتحت لهم أبواب السماء وكشف عنهم غطاء أسرارها.

لعبة خداع ونصب تقليدية باتت معروفة الخفايا ومألوفة التفاصيل وهي تزداد تعقيدا مع التطور التقني فقد باتت مهنة العرافة وضرب المندل احترافا إعلاميا يتجاسر أصحابه في الخوض بشتى المواضيع والقضايا ويعلنونها على الهواء مباشرة تلفزيونيا او إذاعيا.

هكذا يستغرق المجتمع البائس في دوامة تخريف باطنها ارتهان بلا حدود لفرضيات الغيب المزعومة التي لا يطالها سوى “الضالعون ” وهكذا تساهم وسائل الإعلام المرئي والمسموع لدوافع تجارية رخيصة في تعميم الجهل والتخلف وتحويله إلى نمط حياة يومية للجمهور.

في الأحوال العادية تتلقى محطات الإذاعة في لبنان اتصالات وأسئلة يرد عليها منجمات ومنجمون افتراضيون يطوفون في احوال الصحة والأمراض وطرق العلاج والشفاء وفرص العمل والحظوظ المالية والمهنية واحوال الحب واحتمالات الزواج للسائلات وللسائلين بناء على الاسم واسم الوالدة كما هي عادة ضاربي المندل منذ قرون في الشرق القديم.

ما يجري في البرامج الإذاعية والتلفزيونية ليس سوى تعميم شامل لتفاهة عمياء واغتراب شامل عن الواقع المزدحم بمشاكل متراكمة تتطلب جهودا مكثفة لحلها وتفكيكها بأدوات الواقع بعيدا عن فذلكات الفلكيين ومنتحلي علم الغيب عبر وسائل الإعلام.

هذه المهزلة اللبنانية المتمادية هي امتداد لمرض عضال في الإعلام المعاصر لكنها عندنا تتسم بدرجة عالية من المبالغة والابتذال كما هي الحال في شتى الظواهر المستعارة في الإعلام اللبناني الفالت من عقاله بينما المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع شبه مشلول ومحاصر والقانون معلق بجميع آلياته واحكامه.

تسويق الأوهام والأكاذيب محظور بحكم القانون العام وخصص قانون الإعلام ومرسوم دفاتر الشروط بنودا واضحة في منع نشر الشعوذة عبر وسائل الإعلام لكن الفجور في هذا النوع من الاداء الإعلامي محصن سياسيا ومحمي من السلطة ويمنع التعرض له بأي شكل كسواه من التجاوزات والتعديات.

كل تحرك قانوني ضد التجاوزات الإعلامية والأداء الإعلامي المخالف للقانون يواجه بالتباكي على حرية الإعلام وهذا ابتزاز مفضوح غايته تحصين الفوضى وتسويق التفاهة وتنفيذ توجيهات دافعي الأموال من الداخل والخارج والمتباهون اليوم بالدفاع عن الحرية يدافعون فعليا عن نصيب حصدوه من أرباح فاحشة يوم تاجروا بالبلد واوجاعه بتسخير وسائلهم الإعلامية في خدمة المخططات الخارجية وهم معروفون بتواريخهم وصفقاتهم وبارتباطاتهم مهما تخفوا خلف الأقنعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى