أردوغان ولعبة تحت الطاولة: ناصر قنديل
– ما مرّ على تركيا في ظلّ حكم رجب أردوغان كان كافياً لتثبيت دروس في السياسة تجنّب تركيا المزيد من العبث السياسي والإعلامي، فقد بلغت تركيا في ذروة الربيع العربي وهم ولادة السلطنة العثمانية الجديدة من مصر إلى تونس إلى فلسطين إلى سورية والعراق، لكنها سرعان ما بدأت تتهاوى بفشل مشروع السيطرة على سورية لتلحق بها حالات انهيار الإخوان في مصر وتونس وتموضع حماس في فلسطين، لتحصد تركيا من رهانها السلطاني خطر ولادة دويلة كردية على حدودها .
– لعب الأميركيون بتركيا ورئيسها ورتّبوا الانقلاب عليه عندما لم يثبت أهليته لإسقاط سورية كما فعلوا بزميله أمير قطر، واحتضنته روسيا وإيران وقدّمتا له سلّماً للنزول عن الشجرة فواصل المراوغة ولم يُتِمَّ التزاماته بإنهاء وضع جبهة النصرة، بعدما كان هو من جلب النصرة وداعش ورعاهما. ويعلم أردوغان أنّ لعبة الأكراد في سورية أميركية المنشأ والرعاية.
– بعد قرار الرئيس الأميركي حول القدس راهن أردوغان أنه يُمسك بفرصة العودة كلاعب حاسم إلى مسرح المنطقة فيركب الموجة ويتصدّر لائحة الدفاع عن القدس، بينما السفارة الإسرائيلية تقبع في أنقرة والعلاقات التركية الإسرائيلية في أوجها، ويظنّ أنه يمكن لمن يقيم مع إسرائيل علاقات مميّزة ادّعاء قيادة مسيرة القدس ليستثمرها في استهداف أهمّ قلعة داعمة للمقاومة تمثلها سورية.
– الرهان التركي الجديد ينطلق من عرض يقدّم للأميركي والسعودي و الإسرائيلي قوامه توظيف مكانة تركيا في العلاقة مع روسيا وإيران والعلاقة الخاصة بحركة حماس، لمنع إيران من قيادة معركة القدس، والتموضع في طليعة صفوف الصراخ حول القدس بهدف قطع الطريق على أيّ تصعيد يُحرج الأميركي والسعودي ويستنزف الإسرائيلي ، والانعطاف بالحالة الشعبية الداعمة للقدس في العالم الإسلامي عندما تحين اللحظة نحو خيار التسويات بدلاً من المواجهة، وتوظيف مكانة تركيا هذه في إضعاف محور المقاومة، خصوصاً توجيه سهام الأذى لسورية.
– الزيارة التي قام بها أردوغان للسودان وتوقيع اتفاقية تسلم جزيرة سواكن بعد العلاقات السوادنية السعودية المميّزة وترجمتها في حرب اليمن وترجمة التحسّن في العلاقات الأميركية السودانية عبر رفع العقوبات الأميركية عن السودان تعني أنّ هذه الخطوة الحساسة في التموضع التركي على البحر الأحمر تحظى برضى أميركي سعودي وضمناً إسرائيلي لأهمية البحر الأحمر في الحسابات الإسرائيلية . وبعد الأزمة القطرية الخليجية والتموضع التركي هناك لا يمكن منح تركيا هذه الميزة بغير حسابات كبرى وتفاهمات أكبر، والمتضرّر الوحيد هي مصر في هذه الحالة، فما هي الرسالة غير قيام تركيا بتطويق مصر من جهات عدة في ظلّ الحرب في ليبيا والتأثير على مكانة مصر فلسطينياً بقوة التأثير التركي داخل غزة؟
– لعبة تركية جديدة بلعب دور جديد عنوانه إضعاف جبهة المواجهة مع إسرائيل ، بعد القرار الأميركي باعتماد القدس عاصمة لـ إسرائيل ، عبر محاولة قيادة هذه المواجهة لتخريبها وتفتيت قواها وصرف عائداتها في غير الرصيد الذي يُفيد القدس، بل في اتجاه مساعدة إسرائيل على تخطي أزمتها مع الانتفاضة الفلسطينية.
– لم يتعلّم أردوغان أنه ليس في وضع يتيح له التلاعب بمعارك المنطقة التي يخوضها محور المقاومة، وأنّ شروط القيادة هنا تبدأ من أولويات قطع العلاقة بـ إسرائيل وتطبيع العلاقة بدول محور المقاومة وبوابتها دمشق. وهذا العنوان يجب أن يكون الشعار المرفوع من كلّ قوى المقاومة بوجه تركيا وكلّ دولة تدّعي دعم قضية القدس، اقطعوا العلاقات بـ إسرائيل واغلقوا سفاراتها أولاً، انفتحوا على قوى المقاومة وتصالحوا مع عواصمها، وفي مقدّمتها دمشق ثانياً، وحبّذا لو تفعل مصر ذلك، فتكتشف أنها تفضح بذلك اللعبة التركية التي تستهدفها بدعم أميركي سعودي تحت الطاولة تكشفه صفقة جزيرة سواكن، وأنها بذلك تسقط هذه اللعبة بالضربة القاضية.