معجزة في رام الله… هدية ترامب لعباس: اليكس فيشمان
معجزة كبرى وقعت لأبي مازن. حتى هو يستصعب استيعاب كل هذا الخير الذي وقع عليه منذ أعلن الرئيس ترامب عن القدس كعاصمة لإسرائيل. في الأول من كانون الثاني سيقود أبو مازن الاحتفالات بمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس فتح فيما هو يمتطي موجات عطف في الشارع الفلسطيني لم يشهد لها مثيل أبدا. هذا الرجل ـ يقال عنه هنا ـ الذي نجح في أن يخضع ويعزل ترامب ويجند كل العالم تقريبا حول حق الفلسطينيين في عاصمة في القدس .
من الصعب التصديق أنه قبل نحو شهر ونصف الشهر فقط كان أبو مازن في حفرة سفلى. ففي 6 تشرين الثاني استدعي على نحو مفاجئ للقاء في السعودية مع الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، وفي إطاره كشفا أمامه النقاب عن أجزاء من «الخطة الكبرى» لترامب للتسوية في الشرق الأوسط. وحسب الخطة، فإن العاصمة الفلسطينية لن تكون في القدس الشرقية بل في أبوديس. أبو مازن خرج مهموما. وإن كان في العلن أعلن أنه على تنسيق مع السعوديين، إلا أنه في داخله لم يعرف إلى أين يأخذ بالعار: كيف يمكنه أن يسوّق للجمهور الفلسطيني ضياع العاصمة في شرق القدس؟ فهل سيكون هو الزعيم الذي يدخل التأريخ كمن تنازل عن عاصمة فلسطينية في القدس؟.
حين عاد إلى رام الله عقد أبو مازن جلسة سرية للجنة المركزية لفتح وعرض على الحاضرين الخطة الأمريكية. ولاحقا سرب رجاله باقي تفاصيل الحديث الذي دار في السعودية لزعيم حماس إسماعيل هنية، الذي كشف في الأسبوع الماضي النقاب عن أجزاء أخرى من الخطة، والتي تتضمن بزعمه تنازلا عن حق العودة، الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية والاعتراف بجزء من المستوطنات.
دحر الأمريكيون والسعوديون قادة السلطة الفلسطينية إلى الزاوية. وفي 4 كانون الأول تلقوا ضربة أخرى: «نيويورك تايمز» نشرت تسريبات عن خطة ترامب، وبموجبها فإن أبوديس ستكون هي العاصمة ومعظم المستوطنات ستبقى في مكانها. وخرج السعوديون، الأمريكيون والفلسطينيون في اليوم ذاته في نفي جارف. ولو كان هذا التقرير يلقى تأكيدا من جهة رسمية ما، فقد كان أبو مازن سيفقد القليل من الثقة التي له في الشارع الفلسطيني. وعندها وقعت المعجزة: في 6 كانون الأول منح ترامب أبو مازن «سلما ذهبيا» ما كان يمكنه أن يحلم به.
في مصلحة قيادة السلطة الفلسطينية يقال إنها استفاقت بسرعة شديدة من الصدمة وفهمت الفضائل الكامنة في تصريح ترامب، الذي غير عمليا الوضع وإن لم يلمح بأن شرق القدس لن تكون العاصمة الفلسطينية. من هذه اللحظة اختيرت استراتيجية فلسطينية واضحة: التسويق للعالم، ولا سيما الإسلامي، رواية بيع القدس لليهود. وقد نجح هذا.
لقد ترافق هذا النجاح وهجمة فظة على نحو خاص ضد ترامب والإدارة الأمريكية، دعوة لتصفية خطة ترامب، إعلانا بأن الولايات المتحدة لا يمكنها بعد اليوم أن تكون وسيطا وتوجها انفعاليا لفرنسا، الصين وروسيا للتوسط بدلا منها. وبالتوازي، نشأت فرصة لأبي مازن ليعانق القطريين وأردوغان ـ تلميح لمصر والسعودية: إذا لم تسيروا معي، فعندي بديل. وكانت ذروة استعراض القوة الفلسطينية في مجلس الأمن وفي قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
لتعظيم الهجمة الإعلامية ولتجنيد الشارع الفلسطيني، أعلن مسؤولو السلطة ليس فقط عن شرخ مع الأمريكيين، بل وأيضا عن تنازل عن اتفاقات أوسلو. وحمست القيادة الشارع وسمحت لحماس بخوض استعراضات قوة في الضفة. ولكن الاجتماع الطارئ الذي عقده أبو مازن لقادة فتح وم.ت.ف والذي خلق توقعات لتغيير السياسة، انتهى بلا قرارات.
كان هذا تلميح بأنه لا يعتزم حقا إشعال الميدان. فهو يريد مواجهات بسيطرة رجاله، وألا يترك الميدان للشارع، وبالأساس ليس لحماس. كل جولة العنف الأخيرة جاءت لتشطب الخطة الأمريكية الأصلية عن جدول الأعمال.
أبو مازن ليس وحيدا. نتنياهو هو الآخر يحتفل. فهو في الغرف المغلقة لا بد يحتسي النخب لحياة أبو مازن، الذي خلق مع الأمريكيين أزمة عميقة كفيلة بأن تؤجل أو تلغي «صفقة القرن» لترامب. إذ أن في هذه الخطة مطالبة إسرائيل أيضا بتنازلات كفيلة بأن تهز حكومته.
يديعوت