الزمن لصالح إسرائيل… ماذا عن العرب؟: آريه الداد
قبل نحو ثلاثة أسابيع، نشر الرئيس ترامب تصريحه حول الاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل. اليمين ابتهج، اليسار الصهيوني رحب بلغة هزيلة. ومع قليل من الشد على الأسنان. اليسار ما بعد الصهيوني سخر علنا: منذ متى يحتاج اليهود إلى الاعتراف بأن القدس هي العاصمة. اما اليسار المناهض للصهيونية والعرب فشتموا علنا .
وأنا فرحت بالطبع، ولكني كنت أيضا قلقا من شارة الثمن المحتملة التي ستلتصق بالإعلان. تخوفت مما سيكون مشمولا في «الصفقة» الأمريكية، وخفت من أن يكون نتنياهو بضعفه لا يتمكن من رفض مثل هذه الصفقة، إذا ما وضعت على طاولته بعد الاعتراف. تخوفت، ولكني أملت بأن ينقذنا العرب مرة أخرى من فخ محتمل كهذا.
والعرب لن يخيبوا الظن. أبو مازن أعلن بأنه «يقاطع المبعوث جيسون غرينبلت، يرفض لقاء نائب الرئيس بنس بل وأمر الموظفين في السلطة الفلسطينية كلهم بقطع الاتصال مع القنصلية الأمريكية في شرق القدس»، وعندما التقى الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون الأسبوع الماضي صرح قائلا: «نحن لن نقبل عرضًا أو خطة من الولايات المتحدة. يدور الحديث عن دولة منحازة خرقت القانون الدُّولي بقرارها الاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل». هكذا صرح وركض لطلب الجدب في مجلس الأمن (الذي سقط بفيتو أمريكي) وبجدب في الجمعية العمومية (الذي انتهى ببصقة جماعية في وجه الولايات المتحدة). هذا بالضبط ما يحبه ترامب على ما يبدو. أن يتلقى صفعة من عربي يأكل من كف يده. إذا سيعلن الآن بأن ينسوه. لا توجد «صفقة».
حبذا لو كنت واثقا من أن يكون الموضوع قد دفن إلى الأبد. ولكن حتى حاليًا ـ جيد. لأن الزمن يعمل في مصلحتنا. بعد 70 سنة اعترفوا بالقدس. ربما بعد 70 سنة سيعترفون أيضا بشرقها جزءا سياديا من إسرائيل فقط، إذا لم نفزع أنفسنا وننسحب من حفريات حياتنا. نحن شعب الخلد. وهذه بالضبط كانت كرة الثلج التي خاف اليسار الإسرائيلي منها، والتي بسبب القدس سيفجر العرب الصفقة. وإلا يكون ضغط أمريكي على إسرائيل. اليسار، الذي فرح قبل بضعة أشهر ووعد بأننا «لا بد سنشتاق إلى أوباما» سكت جدا الآن.
ونبآن مهمان آخران، غير مرتبطين ظاهرا، وحده محور الزمن ومعناه بالنسبة لنا يربط بينهما. قبل بضع سنوات أقامت حركة مبادرة جنيف، من تأسيس يوسي بيلين، سلسلة اجتماعات تحت شعار «قبل أن تصبح الضفة غزة». بمعنى هيا سارعوا أيها الأخوة، في إعطاء كل يهودا والسامرة لأبي مازن قبل أن تسيطر حماس على المنطقة، وعندها لن يكون أي يهودي عاقل سيؤيد المبادرة الهاذية. هذا لم يحصل.
في استعراض رئيس المخابرات نداف ارغمان أمام لجنة الخارجية والأمن هذا الأسبوع، طرح التقدير بأن أبا مازن آخذ في الضفة، وهناك تخوف من أن حماس من غزة ستسيطر أيضا على السلطة الفلسطينية في يهودا والسامرة.
بضع عشرات آخرين من الإسرائيليين فهموا هذا الأسبوع بأنه لا يمكن الموافقة على أي تنازلات وبادرات طيبة لأبي مازن «المعتدل»، إذا ما كان سيستبدله غدا يحيى السنوار أو إسماعيل هنية. وإذا ما حصل هذا بالفعل، فإنه حتى هذاة جنيف لن يعرضوا بضاعتهم بعد اليوم.
ونبأ ثانٍ، طيب، لا يرتبط ظاهرا: إحصاء السكان اللاجئين «الفلسطينيين» في لبنان اجرته حكومة لبنان في الصيف الماضي. فوجدوا انه يعيش في الدولة نحو 175 ألف «لاجئ» كهؤلاء. وهؤلاء هم بالطبع أحفاد وأبناء أحفاد لاجئي الـ 1948. وبالمقابل، فإن وكالة الغوث «الأونروا» التي تعنى بهم، ادّعت حتى وقت أخير مضى بأنه يعيش في لبنان نحو 450 ألف «لاجئ». وحتى الفلسطينيون في لبنان يعترفون بأن عدد الفلسطينيين في لبنان تقلص جدا مؤخرا. فهم ببساطة هاجروا منه إلى دول أخرى، معظمهم إلى أوروبا، إلى شمال أمريكا وجنوبها.
لِمَ يُخيّل إليّ أن هذا ما سيحصل إذا ما أجري إحصاء رسمي في يهودا والسامرة وفي غزة؟ كل الأرقام المضخمة التي ينشرها العرب ويقتبسها بحماسة اليسار الإسرائيلي ـ ستتقلص دراماتيكيا على نحو مفاجئ. الزمن يعمل في مصلحتنا. فحتى اللاجئون ملّوا أن يكونوا أداة لعب، للجيل الثالث والرابع، في أيدي الزعماء الفاسدين. فهم يهاجرون ليجدوا حياة أفضل. أما السلطة فتواصل تسجيلهم حاضرين. اليسار الإسرائيلي يقنع شعب إسرائيل بأننا إذا ما تجرأنا على ضم يهودا والسامرة، فسنصبح على الفور أقلية او دولة ثنائية القومية. إذا بدلا من أن نعيش من معطيات الدعاية العربية ـ اليسارية، فلِم لا نجري إحصاء؟ العرب لا يريدون؟ فلتجبرهم الدول المانحة. لعلها هي أيضا ملت من تمويل أكاذيبهم.
معاريف