إمبراطورية الحروب الأميركية
غالب قنديل
أحكم جنرالات البنتاغون قبضتهم على رئاسة الولايات المتحدة ومن خلفهم تكتل الصناعات الحربية واللوبي الصهيوني الذي شكل ركنا وركيزة حاسمة في عصابة حزب الحرب الأميركي على مدار عهود الإدارات الديمقراطية او الجمهورية على السواء .
إنها الحقيقة الصارخة بعد سنة مرت على تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية ولم يكن ينقصها سوى البيان الحربي المسمى استراتيجية الأمن القومي الذي لم يتضمن في نظر الخبراء عناصر استراتيجية فعلية بقدر ما شكل بيان هجاء سياسي تحريضي وعدواني ضد ثلاثة دول قوية وفاعلة تلعب دورا مؤثرا في صعود الشرق بعد فشل الولايات المتحدة خلال ولايات الرئيسين دبليو بوش وباراك اوباما من تحقيق هدفها المعلن بمنع صعود قوى عالمية منافسة كما نصت استراتيجيات الأمن القومي السابقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
المثلث الروسي الصيني الإيراني هو تكتل القوة الشرقية الذي تبلور في المخاض السوري العنيف دفاعا عن الاستقلال في وجه الحرب الأميركية بالوكالة وقد تجلى تفوق هذا التكتل ضد الولايات المتحدة التي جمعت خلفها في الحرب على سورية اكثر من مئة دولة من مختلف قارات العالم لكن ثلاثي كبار الشرق الصاعد روسيا والصين وإيران أثبت من الميدان السوري تفوقه وصعوده القاهر اقتصاديا وعسكريا وسياسيا مستندا إلى صمود الشعب العربي السوري وصلابة دولته الوطنية وجيشه المقاتل واولا وعاشرا إلى رئيس ثابت الخيارات ونافذ البصيرة أوقع الولايات المتحدة في حيرة وإرباك شديدين.
نص وثيقة الأمن القومي يعكس سيطرة جنرالات البنتاغون على الرئاسة الأميركية بعد انقلاب أبيض على الرئيس وإثر تمزيق خطاب ترامب الانتخابي الذي كان مشروعه الافتراضي تقديم عروض للتفاهم مع روسيا مقابل الشراسة في التصدي للصين وإيران.
حوصر ترامب بالاتهامات حول العلاقة بروسيا خلال الانتخابات الرئاسية وصنعت المؤسسة الحاكمة اتهامات حول التدخل الروسي المزعوم فوقع الرئيس في قبضة العسكر واللوبي الصهيوني كليا وهو في هذه الحضانة يمثل مصالح مجموعة الحروب العدوانية في كل العالم لكنها بمشورة الجنرالات حروب باردة ومنخفضة التوتر أي ما دون خط الحروب الكبرى والمباشرة.
هذا زمن حرب باردة جديدة لكنه مشحون بروائح البارود والدماء وبجثث الضحايا في كل مكان من العالم وخصوصا في منطقتنا العربية المضرجة بدماء الضحايا في فلسطين وسورية ولبنان والعراق واليمن والصومال وليبيا ومصر والسودان وغيرها.
المجلس العسكري الأميركي الحاكم يعلن الحرب على روسيا والصين وإيران بوصفها مصدر الخطر الرئيسي على المصالح الأميركية وتهديدا يجب التصدي له والحصيلة هي حشد المزيد من القدرات العسكرية التقليدية والاستراتيجية في المواجهة الافتراضية مع هذه الدول الثلاث وانفاق المزيد من الأموال على تصنيع وشراء الأسلحة من الشركات الاميركية الكبرى ونشر وحدات عسكرية إضافية في المجالات الحيوية لكن من روسيا والصين وإيران : قوات بحرية وبرية وقواعد جوية ومزيد من الوحدات الخاصة المنتشرة في مئة وسبع وأربعين بلدا في العالم .
صناعة الحرب هي مكون عضوي من تركيبة الإمبراطورية الاقتصادية والسياسية على السواء وخلافا لتوهم بعض العرب السذج ليس الكيان الصهيوني عبئا على الولايات المتحدة كما ينظر إليه حكام واشنطن الفعليون وهم جنرالاتها وأرباب صناعة السلاح بل على العكس تماما إن هذا الكيان هو جزء رئيسي من عدة الشغل في عهد الحروب الصغيرة والموضعية : حروب الوكالة والتفكيك وهو مرتكز مهم لحركة القوات الخاصة الأميركية المتجولة في أفريقيا وآسيا وشبكات الاستخبارات العملاقة التي تحركها واشنطن في قوس الأزمات على مدى الصين والهند وروسيا وباكستان وكل أفريقيا وباستهداف مباشر لإيران.
محاصرة روسيا وإخضاع أوروبا وتطويق الصين واستنزاف إيران هي أهداف الاستراتيجية الأميركية التي تتلقى الضربات والنكسات وتحاول واشنطن احتواءها فتستغرق في مزيد من التورط كما حصل معها في حروب النصف الثاني من القرن العشرين والأرجح ان كل تلك الجهود الإمبراطورية تتحول إلى مسخرة امام بطولات البسطاء الحفاة العراة الذين يقررون المقاومة وتتاح لهم قدرات محدودة لذلك فمن قال إن خرافة الباتريوت سيدمرها صاروخ يمني طوره الحفاة العراة في جبال صعدة ومن توقع ان تنبري فتاة فلسطينية شقراء تتحدى قرار دونالد ترامب وتتحول أيقونة لانتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني فتستنهض همما كثيرة داخل بلدها ومن حولها وفي العالم ضد غطرسة الإمبراطورية والكيان الصهيوني فتهدد واشنطن عملاءها في المنطقة بقطع المساعدات عندما صوتوا محرجين ضد قرار ترامب لتظهر الإمبراطورية كمن يصوب فوهة مسدسه على أصابع قدميه انتقاما من الاخرين!.