عن حادثة “النبي صالح”: شلومو شمير
يخيّل أنه في كل تاريخ النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، لم تجتمع الأطراف كلها ذات الصلة على جهد منسق بهذا القدر لتصفية كل فرصة للسلام، مثلما ثبت في ردود أفعالهم على إعلان الرئيس ترامب عن القدس كعاصمة إسرائيل. ينبغي الاعتراف بأن فرص السلام دفنت منذ الآن دفنة حمار. ولكن يخيّل أن القضاء على كل أمل للسلام تم مؤخرا بالتعاون، وكأنه بتنسيق مخطط له .
الفيتو الأمريكي، الذي صدر أمس الأول في مجلس الأمن فأحبط المبادرة المصرية ضد الاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل، أبرز فقط أكثر فأكثر حقيقة أن كل الـ 14 عضوا في المجلس أيدوا المبادرة ضد الاعتراف، بما في ذلك القوى العظمى الأربعة، التي هي أعضاء دائمين: روسيا، الصين، فرنسا وبريطانيا. لقد كشفت هذه الحقيقة الخطوة الأمريكية المنعزلة وصورتها بقدر أكبر كركلة لفرص السلام التي تنازع الحياة. وتحدث رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن مؤخرا بشكل فظ ضد الولايات المتحدة، وأثبت أنه على وعي جيد بموت السلام. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ينظر هو الآخر من الجانب، ويبدو أنه يستمتع إذ يتبين بأنه لا يوجد أي دليل حياة في فرص السلام.
كما هو معروف، وقعت الكثير من الأزمات في إطار المساعي التي بذلت لإحداث اختراق نحو حل سياسي للنزاع. ووقع الذنب أحيانا على كاهل الطرف الإسرائيلي. فعندما اعترف وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بانهيار مساعي وساطته اتهم إسرائيل صراحة مسؤولة عن فشله. وبالأغلب، برزت المسؤولية الفلسطينية عن القصور. وخرجت الولايات المتحدة دوما متضررة ولكن بالأساس كما فشلت كوسيط، كما أحبط الطرفان المشاركان مباشرة في النزاع إرادتها الطيبة.
أما الجديد هذه المرة فهو أن الرئيس ترامب اتخذ منذ البداية خطوة، ليس كوسيط وكطرف ثالث. قام بفعل وبادر إلى تصريح، عديم كل معنى عملي، هيأ قبر فرص السلام. «بعد خمس سنوات سنشعر بتأثير إعلان الرئيس»، صرحت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، في مقابلة مع شبكة «سي.ان.ان». فهي على ما يبدو تؤمن بانبعاث الموتى.
أما رد فعل نتنياهو فكان متوقعا. فالثناء الذي أغدقه على اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة أكد فكره أن السلام ليس فقط بعيدا، بل غير قابل للتحقق. لو كان نتنياهو يعلن أن الاعتراف بالقدس سيؤدي إلى استئناف المفاوضات، لكان يمكن الهزء. أما القول إن «الاعتراف سيقرب السلام» فمعناه القول: «اعتمدوا علي، أنا سأفعل المستحيل. فأنا أنسق مع الرئيس ترامب».
ولم ينتظر الفلسطينيون لحظة بالطبع. فرد الفعل الشرطي للقيادة الفلسطينية تداخل على الفور مع ردود فعل ترامب ونتنياهو كعامل آخر يصفي الفرصة الهزيلة، وإن كان فقط لاستئناف قناة الحوار مع إسرائيل. لقد سبق لوزير الخارجية الإسرائيلي الأسطوري، أبا أيبان، أن قال قبل عشرات السنين الجملة الساحقة في أن العرب لا يفوتون فرصة لتفويت الفرص. وعلى حد فهمه، فإن التفويت الحالي من جانب الفلسطينيين هو أم تفويت الفرص كلها.
فتصريح ترامب تضمن بضع نقاط إيجابية من ناحية الفلسطينيين. ومع ذرة حكمة وشجاعة، كان يتعين على القيادة الفلسطينية أن ترد بتوجه إلى إسرائيل: «تعالوا نجلس حول طاولة المفاوضات استنادا إلى تصريح ترامب. مثل هذا الرد كان سيضع الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو في وضع متحد. ولكن كما كان متوقعا ردت القيادة الفلسطينية بموجة من المظاهرات والعنف. هكذا أكملت ثلاثي الأضلاع: ترامب، نتنياهو وأبو مازن.
المؤرخون والباحثون في المستقبل سيحطمون على ما يبدو الرأس في محاولة للشرح كيف أن الطرفين المشاركين في نزاع مستمر، وطرف ثالث كان يفترض أن يتوسط بينهما، عملوا معا بإحباط كل فرصة لاختراق يؤدي إلى حل سياسي.
معاريف