ماكرون والتدخل في سورية
غالب قنديل
الدور الفرنسي في الحرب على سورية لا يحتاج إلى الكثير من التنقيب لتجميع الوقائع ولا تكفي النبرة العالية للرئيس الفرنسي الذي تنطح للرد على الرئيس بشار الأسد لطمس خفايا الدعم اللوجستي والسياسي والإعلامي الفرنسي لعصابات القاعدة وداعش.
وما يتفاخر به ماكرون من دور للحلف الذي قادته الولايات المتحدة ليس أمرا مشرفا بل هو مشين ويشوبه عار دعم الإرهابيين في وجه الجيش العربي السوري الذي طاردهم وطردهم من بلاده وبينما تعهدت المخابرات الفرنسية دعم العصابات المسلحة لسنوات منذ بداية الحرب على سورية وكان ضباط ميدانيون على رأس تلك العصابات في مدينة حمص وفي ريف دمشق ومن المعلوم أنهم لعبوا دورا رئيسيا في معركة باب عمرو في وقت مبكر من الحرب على سورية وتعهدوا طرقا للإمداد والانسحاب عبر البقاع اللبناني لدرجة ان أركان السفارة الفرنسية انتقلوا إلى بعلبك والهرمل بمواكبهم الدبلوماسية جهارا وبكل وقاحة للإشراف على العمليات.
ترددت معلومات كثيرة عن الدور الفرنسي في زرع وتشغيل شبكات اتصالات متطورة لحساب المسلحين عبر الحدود اللبنانية وقد استنفرت السفارة الفرنسية في بيروت آنذاك لإخراج من يمكن إخراجهم من ضباط المخابرات الذي كانوا يشرفون على عمل الجماعات الإرهابية داخل حمص ومن المعروف والمتداول كذلك أن المخابرات الفرنسية لعبت دورا رئيسيا في توجيه وتأطير واجهات المعارضة وتحريك عملائها داخل تلك الواجهات ممن جرى تنظيمهم وحشدهم خلال سنوات إقامتهم في فرنسا أو عبر تواصلهم مع المخابرات الفرنسية في أطر ولجان مشتركة مع الدولة السورية خلال مراحل التعاون الاقتصادي والتقني والإداري.
الدور الفرنسي في التخطيط للعدوان على سورية انطلق بالتنسيق مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وقطر منذ حرب تموز وتثبت ذلك تقارير لجان الشؤون الخارجية التي أرسلت وفودا من الكشافين لدراسة الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سورية ولمعاينة الثغرات التي يمكن النفاذ منها لإثارة الاضطرابات والقلاقل.
أوردت بعض تلك التقارير المنشورة على موقع الجمعية الوطنية الفرنسية معلومات عن تململ الأرياف جراء الانفتاح على تركيا وتضخم الفقاعة العقارية والتجارية في المدن ونقاط الضعف المشار إليها استخدمت في التخطيط لزعزعة الاستقرار السوري مع بداية الأحداث وتورطت المخابرات الفرنسية في جذب العديد من الشخصيات السورية التي التحقت بواجهات المعارضة المناوئة للدولة السورية والتي قدمت التغطية السياسية لعصابات الإرهاب والتكفير في وقت لاحق تحت شعار الثورة المزعومة ومن الواضح أن للمخابرات الفرنسية بصمات نافرة في تدبير العديد من عمليات الانشقاق والتمرد التي شملت وجوها سياسية وعسكرية أعدت لتلعب أدوارا لاحقة في العدوان.
التدخل الفرنسي السافر كان صارخا في سعيه إلى ضرب الاستقرار السوري وفي التصاقه بالأهداف الصهيونية بفعل العلاقة الوثيقة التي تربط الأحزاب السياسية الفرنسية بالحركة الصهيونية وهو ما ينطبق على اليسار واليمين بأجيالهما الجديدة التي تعبر عن النخبة المالية والمصرفية القريبة من اللوبي الصهيوني وهذا ما ينطبق حرفيا على السيد ماكرون القادم إلى الرئاسة من مجموعة غولدمان ساكس المالية المعروفة.
لعل ما أظهره الأداء الإعلامي الفرنسي في العدوان على سورية يقدم صورة وافية عن تورط السلطات الفرنسية من خلال الوسائل الإعلامية المملوكة من الدولة التي روجت لكذبة الثورة السورية وقامت بتجميل الوجوه الكالحة والدموية لعصابات التكفير القاعدية وهي واقعيا تحمل المسؤولية الكاملة عن تجنيد مقيمين عرب ومسلمين في فرنسا لصالح تلك العصابات من خلال الصورة الزائفة التي روجتها عن الأحداث وعبر تقديمها للقتلة المتوحشين بوصفهم ثوارا ومناضلين في سبيل الحرية.
أفسحت السلطات الفرنسية المجال واسعا أمام جماعة الأخوان المسلمين للتحرك عبر لجان المساجد ومن خلال فضائياتها المحمية في لندن ووسائلها الإعلامية الإلكترونية وجمعياتها المشبوهة في صفوف الجاليات العربية والمسلمة تحت يافطة دعم الثورة السورية المزيفة وهو ما أسس لبؤر إرهابية سرعان ما ارتدت على الداخل الفرنسي بأحداث واعتداءات موصوفة وهنا يجب تحميل السلطات الفرنسية تبعات دماء الضحايا الفرنسيين ولن يجرؤ السيد المتفاخر مانويل ماكرون على فتح هذا الملف وإجراء تحقيق يحدد المسؤوليات لأنه مصمم على مواصلة التورط في الحرب على سورية رغم الفشل المتراكم.
ساهمت منصات إعلامية فرنسية عديدة في ترويج صورة زائفة ومزورة عن الأحداث وطمست حقائق كثيرة فقد أخفت الاعتداءات الموصوفة على الكنائس والأديرة والمساجد وتسترت على المجازر البشعة وعمليات الذبح التي مارسها “ثوار”ها على أوسع نطاق ولولا مبادرة بعض الصحافيات والصحافيين الشجعان لما وصلت للرأي العام الفرنسي بعض الصور والوقائع التي تقشعر لها الأبدان عن مآثر ثوار ماكرون وهولاند في حمص وحلب ودمشق ومعلولا وجسر الشغور.
يجب ان يخجل الرئيس ماكرون من حقائق التورط الدموي لمخابرات بلاده في سورية ومن حقيقة ما قامت به فرنسا من جهد تخريبي خلف الولايات المتحدة وإسرائيل مقابل الأموال القطرية والسعودية والصفقات التي حصدتها حكومات فرنسية والعمولات التي تقاضاها مسؤولون فرنسيون ثمنا للدم السوري المسفوك.