لو لم يكن هناك نصرالله: ناصر قنديل
– بعد انكشاف علني للموقف السعودي كشريك في خطة أميركية «إسرائيلية» يشكل الاعتراف بالقدس عاصمة بـ«إسرائيل» جزءاً منها، صار لا بدّ من إعادة رسم للمشهد المرتبط بالقضية الفلسطينية وما سيترتّب على المواجهة السياسية، والتي تشكل الحكومات العربية والإسلامية والدولية محورها، والسعودية ركن رئيسي في صياغة هذه المستويات الثلاثة. فالتساؤل عن سقف للموقف العربي والإسلامي يتوّج بقطع العلاقات «إسرائيل»، صار جوابه معلوماً. فالضغط السعودي سيمنع ذلك، فكيف إنْ كان المعنيون لا يريدون قطع علاقات وسيكتفون بالغطاء السعودي؟ وكيف يمكن تخيّل موقف مصري أو أردني يذهب لقطع العلاقات «إسرائيل»، والسعودية تقف علناً في مؤتمرات تنسيقية مشتركة مع «إسرائيل» تحت عنوان جبهة ضدّ إيران وتحالف ضدّ حزب الله بقيادة واشنطن؟ وكيف سنتوقع موقفاً تركياً يترجم الكلام الخطابي عن القدس بقطع التعاون والتنسيق مع «إسرائيل»، تحت عنوان الموقف الإسلامي فيما السعودية تنظّر وتسوّق للعلاقة «إسرائيل»؟ وهل طبيعي أن يتوقع أحد موقفاً أوروبياً جدياً لحماية القدس وربط كلّ تسوية للقضية الفلسطينية بها، في ظلّ موقف سعودي يسوّق لتسوية عنوانها شعار الدولتين، لكن الدولة الفلسطينية بلا القدس سلفاً؟ وهل ستسعى أوروبا لدور وسيط تفاوضي، بينما تقول السعودية إنّ أميركا وحدها مؤهّلة لهذا الدور؟
– عربياً وإسلامياً ودولياً سيكون التضامن الرسمي مع القضية الفلسطينية، أقرب لرفع العتب، وسيأخذ بالضمور والتراجع، كلما أخذ الموقف السعودي بالظهور للعلن أكثر، وقد بدأ ذلك يظهر، والمعركة ستكون فلسطينية بامتياز، فعلى جبهة القيادة الفلسطينية، تدرك السعودية أنّ الخصم الذي ستواجهه لتسويق مشروعها الفلسطيني هو القيادة الفلسطينية إذا لم يتمّ إخضاعها وترويضها، وأن التأثير المعنوي للقيادة الفلسطينية في المستويات العربية والإسلامية والدولية سيكون سلبياً على خطّتها ما لم تمسك بالقرار الفلسطيني، لذلك يتوهّم مَن يظنّ أنّ المعركة على القرار الفلسطيني قد انتهت بقول ولي العهد السعودي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، أنتم تقرّرون ونحن لن نضغط عليكم، بعدما عرض عليه أمرين، الأول القبول بما سُمّي «صفقة القرن»، أيّ دولة فلسطينية في غزة وبعض التجميل في الضفة ومن دون القدس، والثاني إعادة محمد دحلان للقيادة الفلسطينية. فالمعركة تبدأ لتوّها، ومَن يعرف العقل السعودي وماذا قيل للرئيس سعد الحريري في الزيارة التي سبقت احتجازه، من أنّ السعودية تحترم خصوصية قيادته للملف اللبناني، يعرف ما ينتظر الرئيس الفلسطيني سعودياً.
– المعركة على القيادة الفلسطينية ستكون الأشدّ شراسة، وسيبذل فيها المال وتشتغل المخابرات، وستستعمل «إسرائيل» ما لديها من ملفات وأوراق تهدّد بها قيادات فلسطينية لضمان أحد أمرين، أن يسير عباس بالخيار الأميركي السعودي «الإسرائيلي»، ويجازف مهما كانت التبعات. فالمال والعلاقات واللعبة هنا، أو سيتمّ تعويم دحلان وإحاطته بمجموعة رموز فلسطينية تحت عنوان مكافحة الفساد، واتهام عباس بشتى الاتهامات الصحيحة والملفّقة، وسيُدعم دحلان بالمال الذي يُقطع عن عباس، ويتولى دفع الرواتب التي سيُضطر عباس إذا صمد سياسياً لوقفها، وسينسّق مع الأجهزة «الإسرائيلية» والعربية تحت شعار أنّ الذي يجري هو مواجهة مشتركة للنفوذ الإيراني والميليشيات الإيرانية، وأنّ عباس رهينة لهذا النفوذ وتلك الميليشيات، كما يقول أشرف ريفي وخالد الضاهر عن سعد الحريري.
– كان السؤال مع محنة الرئيس الحريري ونهايتها السعيدة، ماذا لو لم يكن هناك السيد حسن نصرالله، الذي شكّل الخلفية المطمئنة لموقف رئيس الجمهورية الحاسم برفض التعامل مع الاستقالة المفخّخة، لكن السؤال فلسطينياً أكبر بكثير، فالقضية ليست بحجم ما جرى في لبنان، بل أكبر من حجم كلّ ما يجري في المنطقة، وهي الحلقة الأهمّ في رسم ختام حروب المنطقة، التي كانت تقف «إسرائيل» والسعودية معاً في إشعالها، وستقفان معاً اليوم لإطفاء الشعلة المقدّسة فيها التي تمثلها القدس، والتي تشكل للسيد نصرالله حرب حروبه كلها، لذلك ستقف السعودية و«إسرائيل» وأميركا في حلف عنوانه مواجهة حزب الله، هو الحلف الفعلي ذاته لإسقاط القدس من جدول أعمال العرب والمسلمين والعالم، وسيتطلع الفلسطينيون الصادقون في إيمانهم بفلسطين والقدس نحو السيد نصرالله، قوى المقاومة أولاً، ومن يريد مواجهة الضغوط والانضواء تحت راية القدس، لكن الكلمة الفصل ستقولها فلسطين ومقاومتها، رأس رهان السيد نصرالله، الذين سينجحون حكماً في مواصلة الانتفاض والمقاومة، ويحاولون الجمع بينهما لحرب استنزاف تترنّح تحت ضرباتها منظومة الأمن «الإسرائيلية» فترضخ أو تهرب إلى الأمام بحرب جديدة تكون فيها الضربة القاضية، وفي كلتيهما سيكون السيد نصرالله بالمرصاد، وسيبقى يؤرقهم حتى تأتي تلك الساعة.