بصراحة عن سورية وفلسطين
غالب قنديل
قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني كان مقدرا إشهاره على أنقاض سورية وركام منظومة حزب الله الدفاعية في لبنان عندما خطط الأميركيون والصهاينة لحرب السنوات السبع بواسطة القاعدة وداعش بهدف التخلص من محور المقاومة والثأر لهزيمة الكيان الصهيوني في حرب تموز التي كانت المشاركة السورية في صنعها كبيرة وعظيمة كما قال قائد المقاومة السيد حسن نصرالله وكما أظهرت اعترافات العدو.
سقط المخطط الأميركي الصهيوني في هوة الفشل ولاحت بشائر انتصار محور المقاومة من سورية والعراق فصدر قرار ترامب على التوقيت الصهيوني المختار قبل اكتمال تبلور المعادلة الجديدة لصالح المحور وداعميه الكبار روسيا والصين وسائر الدول المناهضة للهيمنة الأميركية الأحادية في العالم.
هذا الانتصار هو أولا وبالأصل انتصار لمقاومة سورية ملحمية ساهم فيها الشعب والجيش بقيادة الرئيس بشار الأسد وعلى هذه الصخرة الصلبة ومنها انبثقت المعادلات الجديدة بمشاركة إيران وروسيا وحزب الله وفصائل من المقاومة العراقية وكذلك من المقاومة الفلسطينية في القتال دفاعا عن سورية.
لقد تميزت تلك الحرب العدوانية الدامية بانخراط تركي واسع في العدوان على سورية وبتحريك جحافل الأخوان المسلمين العصابة المرتبطة تاريخيا بالاستعمار البريطاني وبالرجعية العربية وفي هذا السياق كان تورط جناح من حركة حماس في ارتكاب جرائم خطيرة ضد الشعب والجيش في سورية.
ولد ذلك الدور التآمري والمشبوه تداعيات خطيرة هزت حالة التعاطف السورية الفلسطينية التاريخية منذ النكبة نتيجة خيبة امل كبيرة شعر بها كل مواطن وكل جندي في الجمهورية العربية السورية التي احتضنت حركة حماس وسواها من فصائل المقاومة الفلسطينية وقدمت لها كل ما استطاعت توفيره من سبل الدعم والمؤازرة من الرصاصة إلى الصاروخ ناهيك عن المقرات والمكاتب السياسية والإعلامية التي استثارت ضغوطا اميركية مكثفة صدها القائد الأسد بشدة وإباء وتحمل مع بلاده نتائجها الخطيرة بحزم مبدئي.
بموازاة تورط حماس شاركت فصائل فلسطينية شريفة في الدفاع عن سورية الحرة المقاومة سياسيا وأحيانا في الميدان ومنها الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية القيادة العامة وقوات جيش التحرير الفلسطيني وجبهة النضال الشعبي وحركة فتح الانتفاضة وبعض هذه الفصائل قاتلت بكل بسالة إلى جانب الجيش العربي السوري فقدمت الشهداء وسطرت البطولات وخصوصا في حلب وفي انحاء عديدة من دمشق وغوطتها.
لكن جرحا سوريا حقيقيا لم يندمل وهو استدعى من الرئيس بشار الأسد أن يتناوله في أحد خطاباته ليؤكد مصلحة سورية وثباتها على مبادئها اتجاه دورها المحوري في الصراع العربي الصهيوني انطلاقا من مصالحها الوطنية الوجودية التي يحكمها التناقض مع الكيان الصهيوني الذي يستهدف سورية واستقلالها ودورها القومي والذي كشفت الأحداث بالتفاصيل انه الجهة الرئيسية التي خططت وأدارت العدوان الاستعماري على سورية.
الالتزام بفكرة تحرير فلسطين والتخلص من الكيان الاستعماري الصهيوني الاستيطاني الغاصب هو بالأصل مصلحة سورية قبل ان يكون واجبا اخلاقيا اتجاه شعب فلسطين الذي منحته سورية دولة وشعبا كل ما لديها من القدرات والفرص حيث عاملت الأشقاء اللاجئين إليها منذ نكبة فلسطين أسوة بالمواطنين السوريين وهو نموذج فريد لم يتوفر لهم في أي بلد آخر عربيا كان ام اجنبيا وعلى الدوام وخلال عقود طويلة كانت الجمهورية العربية السورية هي الحاضن الكبير والقوي لقضية فلسطين ولشعب فلسطين ولفصائل المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقها ويعود إلى سورية الفضل في منع تصفية قضية فلسطين فهي الدولة العربية الوحيدة التي تصدت لمشاريع الاستسلام بشجاعة نادرة ولاسيما في زمن اختلال التوازنات الدولية بعد انهيار حليفها السوفيتي.
إن كون فصائل عديدة من المقاومة الفلسطينية اتخذت موقفا شريفا ووفيا مع سورية في مجابهة العدوان مقابل تورط جناح من حماس في المؤامرة يفرض على بعض الأشقاء الساخطين والمتألمين في سورية ان ينظروا بتوازن وإنصاف إلى هذه المسألة وان يرفضوا دعوات الاعتكاف التي تعني تخلي سورية عن إحدى محددات امنها القومي ودورها القومي فالتخلي عن فلسطين يعري سورية استراتيجيا ويضعفها فيسهل استهدافها في عقر دارها بعد تخفف الكيان الصهيوني من مجابهة الدور السوري ونتائجه المؤلمة والمكلفة.
يحق لجميع السوريين ان يتبنوا موقفا متشددا في شروط الموقف من حماس التي من المشروع مطالبتها مسبقا بممارسة نقد ذاتي جدي وباعتذار معلن إلى شعب سورية الذي جرحته جهات حماسية وأساءت إليه حين قابلت التزامه بالجحود والغدر لكن غالبية هذا الشعب المتحفز لاستكمال انتصاره ونهوضه تميز بقوة بين الموقف من جناح متورط هو بعض من فصيل وبين الشعب والقضية التي كانت دوما لصيقة بموقف سورية ودورها التاريخي وحجمها وفعلها القومي والإقليمي الكبير.