لبنان يتلقى «نصائح» أميركية “مسمومة”: ابراهيم ناصرالدين
نجحت «الولادة» الجديدة للتسوية السياسية في نزع «الالغام» من طريق الملف النفطي الحيوي والاستراتيجي، واذا كان اختبار «النأي بالنفس» قد تجاوز «بشق النفس» «مطب» افتتاح معبر جوسيه- القاع بين لبنان وسوريا، بسيناريو معد مسبقا، حفظ للجميع «ماء الوجه»، فان التحركات الاميركية المقبلة في المنطقة بغطاء سعودي تفترض زيادة في الضغوط على الساحة اللبنانية التي ستكون مجددا امام اختبارات جدية في ضوء تولي الاميركيين «رسميا» مهمة الحد من النفوذ الايراني في لبنان بعد الاخفاق السعودي الاخير …
وفي هذا السياق، تؤكد اوساط وزارية بارزة ان الاندفاعة السياسية والديبلوماسية الاميركية خلال الساعات القليلة الماضية، من خلال الزيارة «الاستعراضية» لقائد القيادة الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل، ومواكبتها بتحرك السفيرة الاميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد عبر اعلانها من السراي الحكومي استمرار الشراكة الاميركية اللبنانية، تأتي في سياق تحرك اميركي لملء الفراغ السعودي في لبنان، عشية زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الى المنطقة مطلع الاسبوع المقبل، بعد احتمال تأجيلها لمدة يومين، لمشاركته في تصويت حاسم على تشريع في الكونغرس حول تخفيض الضرائب… بنس الذي سيبدأ الثلثاء المقبل جولته من القاهرة،لا يحمل معه فقط توضيحات حيال قرار الرئيس ترامب حول القدس، وانما سيعمل على تسويق «صفقة القرن» الاميركية في المنطقة، وقد مهد له وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بالامس بتصريح «مريب» اكد خلاله ان الادارة الاميركية جادة في عملية السلام الاسرائيلية – الفلسطينية وهي تعمل على تفاصيل خطتها…!
ووفقا لتلك الاوساط التي وصفت النصائح الاميركية «بالمسمومة»، تبدو واشنطن «منزعجة» من «الإفراط» الرسمي اللبناني في «الحماس» ضد قرار الرئيس الاميركي حيال القدس، وكذلك من الخطوات «التطبيعية» مع النظام السوري… وهو امر عبرت عنه ريتشارد خلال الساعات القليلة الماضية في لقاءاتها الرسمية، حيث نصحت المسؤولين اللبنانيين بالتعامل بشيء من «الواقعية» مع الملفين، والاستعداد للمرحلة المقبلة، لان ادارتها تتوقع «تخفيضاً» وشيكًا في سقف الاحتجاجات في الدول العربية بتأثير من «البصمة السعودية»، وحسب قولها «فان بلادها كانت مرتاحة لغياب القاهرة الرياض ودول الخليج التي تدور في فلك المملكة، عن القمة الاسلامية في اسطنبول… وكشفت ان النقاش في «الكواليس» مع الدول العربية المؤثرة انتقل الى تحصيل الإجابة عن السؤال التالي: ما الذي تريده بصورة محددة ادارتكم وماذا ستقدم لنا؟..فاين مصلحة لبنان في الاستمرار بالتصعيد؟ سئلت ريتشارد التي فهم محدثيها ان واشنطن تريد من لبنان في هذه المرحلة «الحياد» وليس «النأي بالنفس»، ونصيحتها كانت واضحة لجهة تأكيدها ان المصلحة اللبنانية في تمرير «العاصفة» دون التعرض لاضرار «جوهرية»…
وفي هذا الاطار، حذرت اوساط دبلوماسية في بيروت من خطورة المرحلة المقبلة، ولفتت الى ان حسابات السعوديين في الازمة الاخيرة لم تكن خاطئة، بل جزء من «خارطة طريق» كان من ضمنها اعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، واغراق لبنان بالفوضى، كان احد السيناريوهات المفترضة لالهاء محور المقاومة بحريق جديد كان مقدرا له ان ينتهي بعملية عسكرية ضد حزب الله لاسقاط اقوى «الاذرع» الايرانية في المنطقة، كجزء مهم واساسي لتمرير «صفقة القرن»…
ولكن اذا كان هذا المشروع قد فشل، فان ما تفعله واشنطن الان على الساحة اللبنانية يثير «الريبة»، تقول الاوساط الوزارية البارزة لان هذه الاندفاعة «والغرام» بالمؤسسة العسكرية ودورها، ليس «بريئا» في هذه اللحظات المفصلية، وهذه «اللعبة» كانت لتكون خطيرة لولا الثقة العالية بقيادة الجيش التي رسمت حدودا واضحة لمسألة الاستفادة من التقديمات العسكرية الاميركية، والقرار السياسي المناط حصرا بالحكومة اللبنانية، لكن وزارة الخارجية الاميركية ومعها البنتاغون، وعلى عكس البيت الابيض، مقتنعان بان «الاستثمار» بالجيش ضروري للغاية على المدى الطويل لاضعاف نفوذ حزب الله…
الاختبار الاول «للنأي بالنفس»
في هذا الوقت وعلى الرغم من الانزعاج الاميركي، شكل افتتاح معبر جوسيه- القاع على الحدود السورية اللبنانية الاختبار الاول من نوعه لاستراتيجية عدم «الاستفزاز» التي ولدت من رحم «ازمة» الرئيس الحريري الاخيرة، فغياب اللقاء «والمصافحة» العلنية بين المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ووزير الداخلية السوري محمد الشعار، كانت جزءا من سيناريو تم الاتفاق عليه مسبقا، كي لا يتعرض اتفاق «النأي النفس» لهزة سياسية غير ضرورية، من خلال احراج رئيس الحكومة سعد الحريري بلقاء علني بين مسؤول رسمي لبناني ومسؤول سوري، مع العلم ان التنسيق المباشر «البعيد عن الاضواء» هو ما ادى الى اعادة افتتاح المعبر البري، وزيارات مدير الامن العام اللبناني لم تنقطع الى دمشق بعلم رئيس الحكومة وتغطيته، لكن لا ضير من سحب فتائل «التفجير»، تقول اوساط معنية بالملف، خصوصا اذا كان اللقاء غير ضروري ولا يغير من الوقائع شيئا، خصوصا ان «ملائكة» حزب الله كانت موجودة على المعبر من «الجهة السورية»، عبر النائبين علي المقداد ونوار الساحلي…
الحكومة «ومطب» السفارة؟
وضع ملف النفط على سكّته الصحيحة، ووافق مجلس الوزراء على منح رخصتين لاستكشاف وانتاج النفط في البلوكين 4 و9، وسيقوم بالتنقيب ائتلاف شركات («توتال» الفرنسية و«ايني» الايطالية و«نوفاتيك» الروسية) الذي قدّم أسعاراً جيدة وهو يعدّ ائتلافاً اقتصادياً وسياسيّاً مهمّاً للبنان حيث يجمع أوروبا وروسيا…
اما طرح وزير الخارجية جبران باسيل بفتح سفارة لبنانية في القدس الشرقية حُول الى لجنة برئاسة الحريري، وهو ما اعتبرته مصادر وزارية «غض نظر» عن الموضوع بسبب تعقيدات سياسية وقانونية، ابرزها عدم توريط لبنان بالاعتراف بتقسيم القدس، وهو موقف سياسي سابق لاوانه… ويجب الحذر من السقوط غير المقصود في «الفخ» الاميركي- السعودي، من خلال التنازل المسبق عن القدس كعاصمة موحدة بموقف رسمي لبناني قد يبدو مستعجلا بعض الشيء…
نفطيا فان الخطوة التالية هي تقديم الشركات المستندات المطلوبة ثم توقيع العقود مع الوزير المختص، وستمتد فترة الاستكشاف على خمس سنوات وعلى مرحلتين، وقد حصلت الدولة على تعهد من الشركات بحفر بئر خامس في البلوك (4)، وبحسب الاتفاق مع الشركات فان موعد التنقيب هو العام 2019 على أن تكون الضمانة التي تودعها الشركات وتخسرها لمصلحة الدولة في حال التخلّف عن الموعد ما قيمته 45 مليون دولار. وكذلك تم الاتفاق على حصّة الدولة اللبنانية، وتم الاتفاق على نسب تقديرية في البلوك الجنوبي (9) بين 50 و60%، وفي البلوك الشمالي (4) بين 60 و70%، ووفقا لتلك الاوساط فان حصّة الدولة من البلوك الجنوبي توازي المعدّل العالمي وفي البلوك الشمالي تفوق المعدّل… وفي تصريح له اكد وزير الخارجية جبران باسيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن سنوات من التجني والظلم علينا وعلى لبنان انتهت بدقائق قليلة من الحقيقة في مجلس الوزراء…
(الديار)