قمة الخوف من الغضب الشعبي
غالب قنديل
بالنتيجة يظهر العقم الطاغي على المستويات الرسمية حيث تسود لغة رفع العتب ما خلا المواقف الريادية التي يجسدها لبنان ودول محور المقاومة التي غيب المتآمرون من بينها سورية لموقفها الشجاع والقوي المعروف سياسيا وميدانيا.
طرحت مقررات قمة اسطنبول سؤالا جديا عن جدوى العمل من خلال المنظمات واللقاءات الرسمية التي تسيطر فيها غالبية من الحكومات محكمة الربط بالهيمنة الاستعمارية وتسودها الرهبة من التصادم مع المشيئة الأميركية كما يتملكها رعب الخروج عليها ولذلك تأتي المواقف منذ عقود نتيجة المساومات والتسويات الممكنة وحيث الوطنيون أقلية محاصرة بالعملاء تصاغ البيانات بلغة حذرة تسير بين النقاط ولا تجتاز خطوط التحذير من خطوات بسيطة وممكنة نعرف ان الملوحين بها لن يقدموا عليها.
تهربت جميع الحكومات المعنية من إغلاق السفارات الصهيونية لديها وقطع الاتصالات بالعدو ومن مطلب إلغاءالاتفاقات الموقعة مع العدو او تعليقها على الأقل وهذا يشمل عربيا دولا كمصر والأردن وقطر وباعتبار ما سيكون كلا من المملكة السعودية ودولة الإمارات والمؤسف ان اول الجهات المتخاذلة هي السلطة الفلسطينية التي لم تسحب توقيعها عن اتفاقات اوسلو المشينة رغم نبرة رئيسها الوصفية المتشددة في إدانة الخطوة الأميركية وهجائه للدور الأميركي فالعبرة هي في إلغاء نتائج المسارات التي قطعتها السلطة بالإمرة الأميركية السعودية وليس الندب والعويل على تلك النتائج وما خلفته من كوارث.
تحدث الرئيس عباس عن وقف الاتصالات ولم يعلن فعليا أي قرار جدي يلغي جذريا كل أشكال التنسيق والتعاون مع مخابرات الاحتلال ولا داعي للسؤال عن قطع العلاقات مع الولايات المتحدة مصدر قرار الاستيلاء على القدس وتهويدها او إغلاق سفاراتها وسحب السفراء والممثلين المعتمدين من واشنطن بل إننا نستطيع الجزم بان غالبية الحكومات المشاركة التمست مسبقا العذر الأميركي من حرجها امام الشوارع الشعبية الغاضبة وتعهدت بتعقيم القرارات وإبقائها في حدود احتواء السخط الشعبي ليس إلا.
من المبكر الحديث عن اطر تنظيمية تقود التحركات الشعبية حول القدس فهذا امر يقتضي اجتياز الزمن الضروري من التجربة الحية لحركة رفض قرار ترامب في البلاد العربية والعالم بصورة تتيح الانتقال إلى صياغة أشكال وطنية وقومية وبالتالي أممية للهيئات المنظمة وهي تفسح المجال بعد ذلك لبلورة إطار تنسيقي شامل حتى لا يتحول العمل على هذا الخط إلى استعراض مشهدي يكرر مؤتمرات التضامن المعتادة والتي تنفض دائما بعمل مشهدي يكرر توصياته التي تغيب إلى سنة لاحقة او إلى فجيعة تالية.
المطلوب إطار تنسيقي فاعل ومؤهل لاتخاذ قرارات وتوصيات وضمان تنفيذها وهذا يطرح التوجه إلى النقابات المهنية والمنظمات الطلابية والشبابية في البلاد العربية وسائر لجان مقاطعة الكيان الصهيوني في المنطقة والعالم وللأسف فهي في بعض الدول الغربية أفعل وانشط بكثير مما هي عليه في البلاد العربية .
إن مسؤولية محور المقاومة هي بلورة نواة متابعة تجري الاتصالات وتدير نقاشات جدية وتستكشف الأطر والهيئات التي انبثقت عن موجة الغضب ومواكبة الانتفاضة الشعبية الفلسطينية بموقف قوي رسمي وشعبي يؤمن صمودها واستمرارها لأنها المولد الرئيسي لجميع التداعيات والتفاعلات وهذا يستدعي عملا سياسيا وشعبيا وتنظيميا ميدانيا في قلب فلسطين المحتلة والشتات وينطلق أساسا من فصائل المقاومة الفلسطينية الجدية والحازمة في التزامها.
لا نعني بما تقدم قطيعة مع المستويات الرسمية التي ينبغي استغلالها كمنابر متاحة وتوظيف كل فرصة ممكنة لفضح المستسلمين وترويج خطاب المقاومة والانتفاضة لكن تنظيم الحالة الشعبية التي اندفعت وتعاظمت نتيجة قرار ترامب في فلسطين وخارجها هو اولوية لا بد منها وقد تبين بالتجربة ان ما ظهر من رفض لتهويد القدس في بيان اسطنبول إنما فرضه الخوف من الغضب الشعبي الذي يلف كثيرا من الدول المشاركة حتى لو كان صامتا ومكتوما يمنع الناس من إخراجه في التظاهر والهتاف.