تخوفات اسرائيلية من انتفاضة شاملة
تتباين التقديرات والتحليلات الإسرائيلية في تقييمها لردة الفعل الفلسطينية ومفاعيلها العربية والإسلامية على قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل، وفي حين يرى البعض في الهبة الحالية حالة عابرة يمكن التعامل معها واحتوائها، يحذر آخرون من تداعيات أكثر خطورة قد تصل إلى اندلاع انتفاضة شاملة .
المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان، نبه من الوقوع في ما وصفه بأسلوب إحصاء المتظاهرين في نقاط الاحتكاك كوسيلة لقياس ردة الفعل والغضب الفلسطيني على إعلان ترامب. وقال فيشمان، إن إحصاء عدد المتظاهرين في نقاط الاحتكاك في الشارع الفلسطيني هو وهم بصري، من الخطأ الاعتماد عليه لاستخلاص نتيجة مفادها أنه جرى”احتواء الأحداث”، لافتا إلى ساحة أخرى تشهد سخونة متناهية، هي شبكات التواصل الاجتماعي التي يخرج منها “الانتحاريون”، “المنفذون الأفراد للعمليات” و”الخلايا”، وتظهر عبرها الإخطارات حول العمليات المنتظرة التي تجري ملاحقتها في هذه الساعات عبثا من قبل الأذرع الأمنية بشكل أكثر من المعتاد، على حد تعبيره.
ويرى فيشمان، أن تزايد “العمليات الفردية” ونجاحها في إيقاع الخسائر البشرية في الطرف الإسرائيلي، سيؤثر طردا على اشتعال المواجهات الميدانية واتساع نطاقها، وأن ذلك سيؤدي إلى إطلاق أيدي الجنود الإسرائيليين، التي كانت متشددة في الأيام الأخيرة في أوامر إطلاق النار، الأمر الذي سيفضي إلى المزيد من الضحايا في الطرف الفلسطيني، كما أن الجهود البسيطة التي ما زالت الشرطة الفلسطينية تبذلها في منع خروج المظاهرات من المدن الفلسطينية ستنتهي عند بدء انطلاق الجنازات.
وكانت إسرائيل قد اتبعت ما يمكن اعتباره سياسة ضبط النفس في المستويين السياسي والأمني، حيث طلب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من وزرائه، عدم الإدلاء بتصريحات مثيرة للرأي العام في التعامل مع القرار الأميركي، كما صدرت توجيهات للجيش الإسرائيلي، على ما يبدو، اتباع سياسة عدم إيقاع ضحايا في صفوف المتظاهرين الفلسطينيين لمنع المزيد من التصعيد وصب الزيت على النار، وذلك في محاولة لاحتواء الأحداث وحصرها في النطاق الزمني والمكاني الراهن.
وكان المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، قد حذر من أن تاريخ القدس سبق له وقدم “المادة المتفجرة” التي أشعلت المنطقة في أكثر من مناسبة بينها أحداث الحرم عام 1990، وأحداث النفق عام 1996، والانتفاضة الثانية في 2000، إثر زيارة أريئيل شارون للمسجد الأقصى، وموجة عمليات خريف 2014، وهو من شأنه أن يشعلها هذه المرة أيضا إذا لم تتعامل القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية مع الموضوع باتزان ومسؤولية.
وفي غضون ذلك، تخشى الأوساط الإسرائيلية من انتقال ردود الفعل من الحالة العفوية إلى الفعل المنظم، ما يجعل إمكانية تلاشيها السريع غير واردة، خاصة وأنها تدرك أن الفصائل الفسطينية جميعها موحدة حول موضوع رفض القرار الأميركي، كما أن السلطة ذاتها معنية بهذا التصعيد بحدود معينة لما شكله القرار الأميركي من صفعة لمجمل النهج التفاوضي الذي يتم تحت العباءة الأميركية.
ويرى المراقبون أن الامتدادات العربية والإسلامية ترتبط أساسا بصلابة وديمومة رد الفعل الفلسطيني، علما بأن هذه الامتدادات تسند الموقف الفلسطيني وتقوي من عزيمته ولكنها لا تشكل بديلا عنه، فيما يعتمد الموقف الفلسطيني في جزء أساسي منه على رغبة السلطة والاتجاه الذي تريد أن تسلكه، وهو توجه يبشر حتى الآن بالذهاب حتى النهاية في السعي لتغيير مرجعية عملية السلام، بحيث لا تعود أميركا التي كشفت انحيازها السافر لإسرائيل، تحتكر رعايتها.
وفي إشارة إلى التحول الجاري على الأرض، نوهت وسائل إعلام إسرائيلية إلى ارتفاع أعلام حماس إلى جانب أعلام فتح لأول مرة، خلال مسيرة مشتركة في الخليل، في إشارة إلى ترجمة الوحدة الوطنية على الأرض وإلى توجه موحد قد يشكل عنوانا للمرحلة القادمة.