فلسطين والنهوض القومي
غالب قنديل
بعد قرار تهويد القدس دشن دونالد ترامب مسارا جديدا للغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية بعد فشل الحرب الكبرى التي شنت بواسطة عصابات التكفير لتدمير محور المقاومة وحماية كيان العدو تمهيدا للإجهاز على قضية فلسطين وفرض تحالف عربي صهيوني بالشراكة مع المملكة السعودية.
الخطة الصهيونية تقوم بعد وعد ترامب على إعلان قيام دولة يهودية تمهيدا لحملات اقتلاع وتهجير جديدة ضد الفلسطينيين من أهالي الضفة والأرض المحتلة عام 48 والوجهة المعتمدة للتهجير الجديد في المخطط الصهيوني هي النقب وسيناء وفقا لخطة ما سمي صفقة القرن بخصوص استحداث كيان فلسطيني منزوع الأسنان والظافر بتمويل قطري سعودي وأهم ما في الخطة تصفية حق العودة نهائيا.
صدر قرار ترامب في هذا التوقيت لأن الحركة الصهيونية على عجلة من أمرها قبل اكتمال دورة نهوض القوة السورية التي كانت خلال خمسين عاما مانعة لفرض التصفية بثباتها المبدئي وموقفها القومي ودفاعها عن فلسطين التي لم يقصر بعض أبنائها في طعن سورية والتنكر لدورها القومي التحرري عندما سخرتهم لذلك حكومات الرجعية العربية وحكومات تابعة مثل نظام رجب أردوغان في تركيا الذي حمل قسطا رئيسيا في حرب استنزاف وتهديد ضد الدولة العربية الوحيدة الحاضنة لفلسطين وللمقاومة ضد الكيان الصهيوني والتي عطلت خطط التصفية بجميع مصنفاتها.
شكل الموقف اللبناني الصلب الذي أعلنه الوزير جبران باسل صفعة للرجعيين العرب فكأنما ليست سورية غائبة بحضور موقف لبناني قوي مقاوم ينطلق من مصالح لبنان العليا ومن هويته العربية ومن خبرة تجربة لبنان في الصراع العربي الصهيوني الذي حمل ويحمل قسطا وفيرا من أعبائه وأثقاله.
الحقائق الجديدة التي حملتها أيام بعد قرار ترامب تؤشر إلى زمن جديد عربيا وإلى آفاق مسار جديد في حركة الصراع ينعدم معه الرمادي خلافا لكل ما سبق وهي تكرس السقوط التام لوهم التسويات الأميركية ولخزعبلات الوساطة الأميركية أو الغربية حول قضية فلسطين وانتهاء الوعد الاستعماري بكيان فلسطيني مستقل فالمطلوب فلسطينيا من تل أبيب وواشنطن هو الرضوخ التام لتوطين الشتات الفلسطيني والصمت اللاحق على تهجير سكان الأراضي المحتلة عامي 48 و67 إلى مستوطنات فلسطينية ستقام في سيناء والنقب بل والانخراط في ترويج كذبة الحل النهائي المبني على تثبيت الاغتصاب الاستعماري لفلسطين بصورة لا رجعة عنها وهو ما رضخت له الرجعية العربية مسبقا وانخرطت في السعي إليه تنفيذا لأوامر الولايات المتحدة.
الانتفاضة الفلسطينية المستجدة والتحركات الشعبية الغاضبة في العديد من البلاد العربية وحالة الغليان الأكيدة في دول عديدة تبشر بمسار جديد وأهم البشائر من فلسطين حيث تخلخلت هيمنة القيادات التقليدية المستسلمة وتصدع منطقها الافتراضي المشحون بأوهام وخرافات لا أساس لها منذ اتفاق أوسلو.
نشأت في السنوات الأخيرة انوية شبابية فلسطينية مبادرة ومقاومة تمتلك الوعي والإرادة وقد تآمرت عليها السلطة الفلسطينية مع مخابرات العدو وعملت على محاصرتها سائر القيادات التقليدية المستسلمة القديمة والمستجدة وهذه الأنوية الطلائعية هي قوة التغيير الجديدة التي تستحق الرعاية والدعم من فصائل المقاومة الجدية والملتزمة ومن أطراف محور المقاومة التي تكرس جهدا مهما لملاقاة انتفاضة فلسطين ولتحفيز قواها على مواصلة الكفاح والتقدم.
يجب ان يبلور محور المقاومة بجميع حكوماته وبقواه الشعبية صيغا عملية لدعم خيار الانتفاضة والمقاومة ولمحاصرة تجار الوهم ولخنق أصواتهم النكراء كائنا من كانوا فهم الصدى لأمر عمليات أميركي غايته استكمال مخطط التصفية.
إن استثمار الفرصة السانحة بتراجع ضجيج التحريض الفتنوي وصعود نجم فلسطين كقضية مركزية هو مناسبة للفرز تعزز إحياء الأفكار التحررية والعروبية التي ما يزال لها فعل وتأثير في الوجدان الشعبي وفي بلورة الاستعداد للتضحية وتكفي نظرة على أعداد الشباب الجرحى في ساحات الضفة المحتلة وعلى خط النار في القطاع للتيقن من ذلك.
العمل المطلوب لشق المسار الجديد يتضمن سياسيا التمسك بحق العودة والتصدي لكل تكريس كلي او جزئي لقرار ترامب ولمبدأ الاعتراف بالكيان الصهيوني ولجميع مفردات التطبيع وهو كذلك يفرض احتضان خيار المقاومة بوصفه التعبير الوحيد عن إرادة التحرير والعودة ولتسقط كل القيادات المستسلمة على الطريق.
إن سورية هي المركز القومي المؤهل للعب الدور القيادي والنهضوي في المرحلة الجديدة بالنظر لقدراتها ولموقعها ولخيارها التحرري الحازم وإلى جانبها فصائل مقاومة عربية من لبنان وفلسطين والعراق ممن شاركوها في التصدي للعدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي ولأدواته الإرهابية وحيث يمثل النموذج اللبناني الرسمي والشعبي حالة تدعو للافتخار وتقدم رصيدا كبيرا لخيار المقاومة.